بهذا الفصل- أيها القراء الكرام- تودعون رمضان، وتصدرون عن فائدة القرآن، بعد أن تناولتم منها ما فيه غذاء الأرواح، وشفاء النفوس، وإيقاظ الشعور، وإرهاف الوجدان.
فحذار أن تنسوا ما سمعتم، أو تهملوا ما حصلتم، أو تحولوا عما كنتم، أو تقطعوا من حبال الله ما وصلتم، فتكونوا {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}، ونبي القرآن يقول:"حسن العهد من الإيمان"، فرمضان الذي رافقتموه ثلاثين مرحلة، وعاشرتموه ثلاثين يوما ليأخذ عليكم من الله ثلاثين عهدا، فلا تخونوا عهده، ولا تخونوا ذمته، ولا تسيئوا إلى ذكراه، فبعد أحد عشر شهرا تلقونه، فبأي وجه تلقونه، فاذكروا هذا بجانب ما قرأتم في مائدة القرآن، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}، {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ}.
"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"
هكذا، أقام الله العمران، على تبادل الإحسان، فالإحسان هو الرباط الوثيق بين بني الإنسان ولذا لم يكف الأمر بالعدل في القرآن، بل قرنه الله بالإحسان، إذ قال:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، وإذا كان للعدل مزية حفظ الحقوق، فإن للإحسان مزية بذلها والسخاء بها، وهذا لا شك أفضل، ولا عجب أن يكون النفل أفضل من الواجب في بعض الأحيان، فالسلام أفضل من رده، وإن كان الأول سنة والثاني فرضا، وهذا بالنسبة للأمة، أما بالنسبة للإمام فلا أفضل من العدل الذي يحفط لكل فرد في الأمة حقه، بل إن الذي مكنته من حقه قد أحسنت إليه