اللغو فقد أصبحت سوقه هي السوق الرائجة النافقة لدينا، وليس اللغو إلا هذا الهراء مما يسمى أدبا وهذا الفحش مما يدعى غناء، وهذا الرقص الداعر والتمثيل السخيف الذي يسمى فنا.
ويصفهم القرآن بأن لهم قلوبا رقيقة تتأثر بكلام الله وتعتبر بآيات الله إذ يقول:{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}، ونحن على النقيض من ذلك تماما قد قست قلوبنا {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}.
ويصفهم بالطموح إلى معالي الأمور في الدنيا والدين إذ يقول:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، ونحن قد رضينا بالدون في الدنيا والدين.
الحق أننا في واد وعباد الرحمن الذين وصفهم القرآن في واد، لأننا في واد، والقرآن في واد، حتى كأننا موكلون بمخالفة القرآن، فإذا أردنا أن نكون من عباد الرحمن، فلنتأدب بآداب القرآن.
والعبرة البليغة في هذه الآية الكريمة، والدرة اليتيمة في هذا العقد الثمين، أن كل ما ذكر من وصف لعباد الرحمن يرجع إلى شيء واحد، هو الصبر فمن ظفر بذخيرة كبيرة من الصبر، فقد ظفر بما يؤهله لأن يكون من عباد الرحمن، ويسلكه في هذه القائمة النابهة من أهل الإيمان، التي خلد القرآن ذكرها على توالي الأزمان، فلا غرو أن يكون التعقيب الأخير على هذا الوصف المغري المثير، هو قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ (بِمَا صَبَرُوا) وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} هكذا (بِمَا صَبَرُوا) مع أن الصبر الذي استحق به عباد الرحمن هذه الكرامة لم يذكر في جملة أوصافهم، ذلك هو موضع العبرة، ومكمن السر، فكل ما ذكر من هذه الفضائل هو الصبر بعينه، ولولاه لما كان شيء منها، وهل نبلغ ما نحب إلا بالصبر على ما نكره؟ وهل تقع فيما نكره إلا بحرصنا على ما نحب؟ ذلك الحرص الذي أغرى آدم وزوجه بالأكل من الشجرة التي نهى الله عنها، فكان البذرة الأولى للمعصية، فلا عجب أن يحرم من الجنة كل عبد للشهوة وأن يوضع على باب الجنة هذه اللافتة العجيبة من كلام رسول الله: