إن للبيئة- وهي الوسط الذي يعيش فيه الفرد- لتأثيرا مباشرا في سلوكه وتوجهه كتأثير التربة في النبات، بل إن الطفل لينزل دنياه متأثرا بعاملين قويين في سلوكه: ما ورثه عن أبويه، وما يتأثر به في بيئته، ونحن اليوم لا نعيش في بيئة إسلامية تساعد على التربية الإسلامية، وإنما نعيش في مجتمع يقوم على أرضاع أجنبية وقوانين مدنية، وليس هذا الوضع المقلوب الشاذ قاصرا علينا نحن الذين نرزح تحت حكم أجنبي مفروض علينا، بل هو عام حتى في المجتمعات الإسلامية التي تنعم بنوع من الحكم الذاتي.
وإلى القارئ ما كتبه الأستاذ سيد قطب في كتابه الخالد:(العدالة الاجتماعية في الإسلام) ص ٢٢٥ من الطبعة الثالثة:
"إن المجتمع الإسلامي الحاضر ليس إسلاميا بحال من الأحوال فقد سبق أن أثبتنا نصا من القرآن لا سبيل إلى تأويله بغير الاحتيال عليه، ذلك قوله:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ونحن لا نحكم بما أنزل الله في المجتمع الحاضر، فلدينا مؤسسات تربوية هي قوام حياتنا الاقتصادية، ولدينا قوانين تبيح البغاء ولا تعاقب عليه، والزكاة لا تجبى، ولا تصرف بطبيعة الحال.
ولندع أمر السرف والترف الذي يحرمه الإسلام، وأمر الجوع والحرمان الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما عرصة أصبح فيهم أمرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى" والذي يفتي فيه الإمام ابن حزم بأنه إذا مات رجل جوعا أعتبر أهله