سؤال ألقاه علي بعض معارفي من شبابنا الذين تلقوا تعليمهم في المدارس الأجنبية، فقلت له (والحسرة ملء جوانحي): كيف يسعكم أن تجهلوا تاريخكم هكذا بينما تقبلون الإقبال كله على تاريخ غيركم تلتهمونه التهاما جاهلين أو متجاهلين أن في تاريخكم أمجادكم الغالية وبطولة أجدادكم النادرة ودروس الوطنية الحقة التي لو استظهرتموها وسرتم على ضوئها لكانت لكم نبراسا مضيئا يهديكم في مجاهل هذه الحياة وينجيكم من مهاوي الضلالات، وهل يرفع من شأنكم أن تستظهروا كل تواريخ الأمم وتستوعبوا كل معارف الشعوب وأنتم تجهلون أسماء شهوركم ومبادئ دينكم والحروف الهجائية للغتكم؟ فقال لي: وماذا نستطيع أن نعمل والحياة اليوم تسير على هذا المنوال والعمل يجرى بهذه الشهور الإفرنجية وعجلة الزمن تدور على هذا المحور؟ قلت له: بالله عليك، لا تكلمني بلغة الاستعمار فهو الذي يفهم هذا الفهم ويروجه ويعلمكم إياه ويستعمل جميع وسائله لبقائه ماثلا في أذهانكم، وماذا يريد الاستعمار منكم غير ذلك وهو لا يستطيع أن يستعمر أرضكم إلا إذا استعمر عقولكم وأفكاركم؟ لذلك يقول الإمام الشهيد حسن البناء:(أخرجوا الإستعمار من نفوسكم يخرج من بلادكم) فالاستعمار يرى (وأنتم تظاهرونه على ذلك) أن لا تاريخ غير تاريخه ولا لغة غير لغته ولا أخلاق غير أخلاقه ولا مدنية غير مدنيته، لكن لو لم توافقوه على ذلك بإقبالكم على تاريخه ولغته وأخلاقه ومدنيته وتنكركم لتاريخكم ولغتكم وأخلاقكم ومدنيتكم، أقول لو لم توافقوه على ذلك لما راجت هذه العقلية التي أصبحت جزءا من كيانكم وإتجاها لتفكيركم وصورة لوجودكم، وأصبحتم بذلك شعبا آخر غير العرب وأمة أخرى غير المسلمين.