ها هو رمضان الكريم قد توارى من الأفق هلاله الحبيب بعد أن لقننا أعظم الدروس، وترك آثاره الطيية في النفوس، كما يترك الغيث أثره في المكان الجديب فيحيى الأرض بعد موتها فإذا هي جنه وارفة الظلال، دانية القطوف يانعة الثمار:{وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}.
إن أعظم درس لقنه رمضان للنفوس المؤمنة أن راضها على خلق الصبر العظيم، فأصبحت أربط جأشا في الملمات، وأصلب عودا على مكاره الحياة، ويرشدنا إلى ذلك قائدنا العظيم بأسلوبه الحكيم إذ يقول:"ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر" نعم: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر، فليس أمد الامتحان إلا فترات عابرة من الزمان ثم تنقضي ويبقى الأثر الصالح أو السيء في نفس الإنسان، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام:"إنما الصبر عند الصدمة الأولى" فمن لم يصبر لطارق الحدثان- وليس الصبر إلا أمدا يسيرا- كانت مصيبته مضاعفة بشدة وقعها وسوء أثرها، ومن اعتصم بالصبر عند نزول المكروه هانت عليه المصيبة، لأنه كان أصلب عودا أو أقوى تحملا، وجنى بعد ذلك ثمرة الصبر الحلوة، والصبر غالبا لا يكون من حظ ضيق الأفق ولا ضعيف الإيمان لأنهما ليس لهما من هاتين الدعامتين القويتين ما يحملهما على الثبات لآثار الصدمات ليجنيا بعدها ثمرات الصبر على الملمات، فكم من نفوس عصفت بها الحوادث والأزمات كما تعصف الريح العاتية بضعيف النبات.
فالصبر إذن يقوم على دعامة قوية من الإيمان، فمن عدم الإيمان عدم الصبر، ولذا يفزع ضعاف الإيمان كلما أقبل رمضان- بل إننا نسمع عن كثير من