ما شاء الله! إنها لصورة طبق الأصل لطبقة كبيرة في المجتمع، يخدعك مظهرها اللماع المتبجح عما يخفي وراءه من تفاهة وحقارة وزيف، طبقة تعيش على حساب المجتمع- ما دام لم لبلغ رشده ويعمق تفكيره- بهذا المظهر الخادع الذي يغري السذج والبسطاء، كما يغري الظامئ الضارب في البيداء، وقد اشتد لفح الهجير، بالصراب الذي يحسبه ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وكما يشير إليه ذلك المثل الطريف من أمثال الحيوان الذي يحدثنا عن القرد الذي أبصر طبلا معلقا في شجرة كلما هزت الريح أغصان الشجرة سمع لذلك الطبل دوي مفزع فلم يجرؤ على الدنو منه مخافة أن يكون هذا الصوت المدوي عنوانا لخطر عظيم يشتمل عليه الطبل حتى إذا طال به الأمر وتكرر المنظر وذهب عن القرد ما كان يجده من فزع دنا من الطبل ثم شقه فإذا هو فراغ فقال: لعل أعظم المخلوقات صوتا وأكثرها تبجحا وثرثرة أقلها غناء وجدوى، وإن الصورة القرآنية إذ تقابل بين الجسم واللسان- ترجمان الجنان- لتعطى المقياس الصحيح للمفاضلة بين إنسان وإنسان، فلا يدل على قيمة الإنسان، كاللسان، ومن هنا قال علي رضي الله عنه:"تكلموا تعرفوا، فإن المرء مخبوء وراء لسانه" وقال سقراط لشاب في مجلسه لم يتكلم: (تكلم لأراك)، وما أجمل التعبير عن السماع بالرؤية والله عز وجل لم يمتن على عبده بنعمة بعد نعمة خلقه أعظم من نعمة لسانه: إذ يقول: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}. إنها لصورة رائعة من صور القرآن تهيب بالناس أن يتعلموا ولا يكتفوا بالمظاهر الكاذبة التي لا يطول أمدها إذ سرعان ما يفضحها الواقع، وإنني ما قرأت هذه الآية إلا ذكرت قول الشاعر الماكر: