هكذا ينبغي للمؤمن أن يكون- دائما- على احتراس من عدوه الذي يرصد غفلته ويتربص به الدوائر، فإن الشيطان لا ينفذ إلى قلب الإنسان إلا من هذه الثغرة- عندما يغفل عن ذكر ربه- الذي هو الحارس، القوي الأمين، على القلوب، فإذا كان المؤمن دائم الذكر لربه، لم يجد الشيطان ثغرة ينفذ منها إلى قلبه، وأولائك هم عباد الله حقا، الذين يعيشون في حمى منيع من ذكر الله والذين شرفهم الله بإضافتهم إليه في قوله:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}، نعم كيف يكون عبدا للشيطان، من كان عبدا لله واحتمى بحماه، فإذا غافلهم الشيطان، وخادعهم ومسهم منه طائف- وقلما يكون- {تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}، تذكروا الله، وصلتهم به وتذكروا وعده ووعيده، وثوابه وعقابه، فأبصروا حقيقة موقفهم وعاقبة أمرهم، فأنكفأوا راجعين إلى ربهم، تائبين من ذنبهم، محتاطين لمستقبلهم غير متورطين مرة أخرى في مثل غفلتهم، فيعاملهم الله بما هو أهل له وما هم جديرون به من غفرانه وفيض إحسانه، فإنه يقول:{إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} بله قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابين".
هكذا المعدن النفيس لا يقضى عليه ما يمتد إليه من صدأ أو غبار، بل مجرد شيء من تطهير بصلحه ويرد إليه نفاسته، وإن الله- لواسع رحمته وفضله- لا يرد عن بابه ولا يطرد من رحابه كل من هفا أو زلت به القدم من عباده، إنما يرد المستهترين بدينه المصرين على مخالفته، من ذوي المعادن الزائفة والدخائل السيئة.
إنها لآية موجهة تعطى درسا عظيما في يقظة القلب وسد منافذه جميعا في وجه الشيطان، وفي الوقوف موقف الحزم أمام هو اجس النفس، ونوازع الهوى.