قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! قال: نحن ألف وجل وفينا حازم واحد، فنحن نشاوره فكأننا ألف حازم.
إن هذا خير مثال يساق لبيان أهمية الشورى وعظم أثرها في المجتمع، وهي من أهم الأسس والدعائم التي يقوم عليها المجتمع الصالح السعيد، والقرآن يعدها من صميم الصفات الرئيسية للجماعة الصالحة إذ يقول:{فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}.
ولكن أعظم من ذلك خطرا وأبعد أثرا أن يأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يشاور أصحابه وهو أكملهم عقلا وأنضجهم رأيا وأبعدهم نظرا فيقول:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} - إنه لا أدل على ديمقراطية الإسلام من هذه الكلمة التي تجعل نبي الإسلام، كسائر الأنام في عدم استغنائه برأيه واحتياجه إلى آراء إخوانه، ولقد شاورهم في مواقف كثيرة: منها ما رواه المقريزي في كتابه: (إمتاع الأسماع) من أنه: لما كان يوم بدر استشار النبي أصحابه في المنزل الذي ينزلونه، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح: انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم فإني عالم بها وبقلبها، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه، وماءه كثير، ثم نبني عليه حوضا ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل ونغور ما سواه من القلب- أي نكبسها بالتراب حتى تنسد- فقال: يا حباب! أشرت بالرأي، وفعل ما أشار به ونهض بمن معه فنزل على القليب ببدر. ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام-