أي شيء يحسم الشر من أساسه كهذه الخطة التي يدعو إليها القرآن، التي تجعل العدو صديقا- وصديقا حميما- بهذه السهولة وبهذه البساطة، والتي لا تكلف صاحبها إلا أن يأخذ بالجانب الذي يأخذ به الأكياس العقلاء، وهو الجانب المضيء لا المظلم، والجانب الحسن لا السيء، جانب الخير والفضيلة والآنتصار على النفس والهوى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وما أيشرق هذا الأفق وما أكرم هذه الخطة التي يدعو إليها كتاب الله، الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} هذه الخطة التي تجعل كلا من الوسيلة والغاية حسنا، وتجعل الإنسان لا يخسر شيئا ويربح شيئين وهما: أن ينقلب عدوه صديقا، وأن يتمسك هو بالجانب الخير الذي يجعله سيد نفسه وسيد الآخرين، وما أقربه أسلوبا إلى المنطق والبداهه، هكذا:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، وأي عاقل لا يسلم بهذا الحكم والمنطق البديهي، فينكر أن الخير والشر ليسا سواء؟
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} س: (القصص) إنها لفتة عجيبة أن يختار موسى هذا النوع من شكر النعمة وهو أن لا يعين مجرما على إجرامه ولا ظالما على ظلمه، وهو توجيه قرآني عظيم في قطع دابر الشر، واستئصال جذور الفساد، وخنق أنفاس الظلم، وقطع التعاون على العدوان والإثم، فما كان للشر