أن يعيش لو لم يجد أعوانا عليه، وما كان للظلمة من قدرة على الظلم لو لم يجدوا أذنابا يزينون لهم أعمالهم العدوانية وأغتصابهم لحقوق شعوبهم والعبث بمقدراتهم ومقدساتهم، وإن التعاون الذي جعله الله إحدى قواعد العمران، إنما يكون على الخير لا على الشر، وعلى الحق لا على الباطل، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
ومن التعاون على الشر، السكوت عنه والرضى به، وترك الأشرار يعيثون في الأرض فسادا وهذا مثل فعل الشر نفسه مستوجب لسخط الله وغضبه وعقابه قال تعالى. {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}.
وأوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من أمتك ستين ألفا من شرارهم، وأربعين ألفا من خيارهم، قال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: لأنهم لم يغضبوا لغضبي وآكلوهم وشاربوهم.
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} س: (البقرة) هكذا يحارب القرآن شح الأنفس ويدعو إلى البذل الذي هو أحد شقي سيادة الإنسان، وهما: البذل والحلم:
فإذا كانت الكلمة الطيبة تجعل العدو صديقا كما تقدم عند قوله تعالى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، فإن البذل في سبيل الله يخلفه الله على صاحبه مضاعفا إلى سبعمائة ضعف كما قال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، ومن ثم فهو بذل أشبه بالأخذ، لأن الباذل بهذا الاعتبار لم ينقص من ماله ولكن زاد فيه، ومن ثم سماه الله قرضا أي سلفا، ولما كانت النفوس مطبوعة على الشح وهي لا تدفع شيئا إلا رغبت في أن تأخذ عليه فائضا كما يطلب التاجر وكما يطلب المرابي، فإن الله أغرى هذه النفوس بهذه الزيادة والفائض على ما بذلت في سبيل الله، وهو نوع من المتاجرة مع الله، التي دعت إليه الآيات القرآنية الكريمة مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ