للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} ومثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} فأي عاقل يحب الخير لنفسه يري مثل هذه الصفقة الرابحة ويعرض عنها، وتتاح له مثل هذه الفرصة الكريمة ويدعها تفلت من يديه؟ ولهذا كان أصحاب رسول الله الذين جعلهم الله خير قدوة لهذه الأمة عندما نزلت هذه الآية: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} (يتسابقون) إلى البذل. كما روى الطبراني وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله! إن الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي وله فيه ستمائة نخلة.

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (سورة فصلت)

إن القرآن يولى الناحية الأخلاقية عناية كبرى، بل إن هذا الكتاب العظيم هو الينبوع الثر، والمدرسه الأخلاقيه العليا، التي تخرج منها رسول الإنسانية وتلقى عنها أخلاقه السامية، كما تشير إلى ذلك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، عندما سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن" وكما تحدث بذلك هو نفسه- شاكرا فضلا الله عليه- فقال: " أدبني ربي فأحسن تأديبي"، أي بما أوحى إليه من مثل هذه الآية: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.

بل إن هذه الآية وحدها لتعدل دستورا من الأخلاق كاملا، حتى إنه روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: (ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية).

ويبين سمو ما تهدف إليه هذه الآية، ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن معناها فقال: (يا محمد إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك).

<<  <   >  >>