كم في الناس من يعجبك إذا قال، ولا يعجبك إذا فعل، فيتخذ من حسن ما يقول ستارا لسوء ما يفعل، وذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} ومن الدليل على أنه يخفي سوء ما يفعل بحسن ما يقول قوله تعالى بعد: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} إنه يقول لك: اتق الله، ولكنه يغضب إذا قلت له: اتق الله، لأنه لا يريد أن يعمل ولكنه يريد أن يقول فحسب، وهو ضرب من النفاق رسمت هذه الآية الكريمة خطوطه وأوضحت معالمه، وإن هذا النفاق لا يولد إلا في تربة الكسل ولا يوجد أفراده في ميادين العمل، فكلمة: اتق الله تخزهم وخز الإبر لأنها تطلب منهم عملا يتطلب جهدا وتضحية، أو تحملهم على ترك شهوة، لذلك لا يستطيعون سماع هذه الجملة التي تتضمن التخلي عن كافة الرذائل، والتحلي بجميع الفضائل، وكلا الأمر ين لا يتوصل إليه إلا بمخالفة النفس أي بفطامها عن شهواتها- وما أشد فطام الكبير- كما يقولون، فلا عجب أن سمى نبي الإسلام مخالفة النفس، الجهاد الأكبر، أما الذين هيمنوا على حيوانيتهم وتغلبوا على شهواتهم في سبيل طاعة ربهم، فلا يأنفون من سماع هذه الكلمة بل يطربون لها ويحثون الناس على أن قولوها، لأنها لا تتنافى مع سلوكهم، ولا تشير لاتهام الناس لهم، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب فسمع قائلا يقول: اتق الله يا عمر، فهم الناس به، فنهاهم عمر وقال:"دعوهم يقولونها فلا خير فيهم إذا لم يقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها".