للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإننا اليوم نعيش في عصر راجت فيه سوق النفاق، وكثر فيه عديد المنافقين، لأن الناس أفلسوا من التقوى، وأقفرت قلوبهم من الإيمان، فهم يتعاملون بالنفاق لا يتآمرون بمعروف ولا يتناهون عن منكر، تضحية بدينهم في سبيل دنياهم، فصحت بذلك نبوءة عمر العبقري الملهم إذ قال: "سيأتي على الناس زمان يكون صالحهم فيه من لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، فيقول الناس: ما رأينا منه إلا خيرا لكونه لم يغضب لله تعالى".

حتى الصفوة من إخوانك وخلصائك تخطر لهم الملاحظة عليك في سلوك أو رأي فلا يبدونها لك، بل ربما تسألهم رأيهم وتطلب إليهم أن يفيدوك بملاحظاتهم فيما أنت بسبيله من مهام فيجبنوا وربما أثنوا وشكروا حتى إذا غبت عنهم وأوليتهم ظهرك، أخذوا يتندرون عليك ويرسلون سهام نقدهم إليك.

إن هؤلاء المنافقين الجبناء لأخطر عليك من الأشرار الصرحاء الذين ليس لهم إلا وجه واحد تعرفه، أما هؤلاء الذين لهم في كل يوم وجه، ومع كل شخص كلام، فأمرهم مشتبه والاحتراس منهم عسير.

والدواء من مرضهم أن لا نلقاهم ولا نغشى مجالسهم، وإذا اضطرونا إلى لقائهم والاجتماع بهم فلا نسمع لقولهم ولا نغتر بتملقهم، وإذا أضطررنا إلى سماع قولهم فلا نقابل نفاقهم بنفاق وملقهم بملق، فإن ذلك لا يقطع الشر، ولا يحسم الداء، وإنما يجب أن نقابل نفاقهم بالصراحة وملقهم بالتأنيب، كي ينتهوا ويرتدعوا فما عاش الشر إلا في بيئة النفاق ولا كثر الفساد والمنكر إلا حيث يسكت عن الفساد ويمسك عن تغيير المنكر.

فيا أيها المسلم- اذكر دائما قوله صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" فلا يوصل إلى خير إلا بتحمل ضروب من الآلام ولا تنال راحة إلا بعد عبور جسر من الأتعاب، وهكذا الصراحة في الحق وبث النصيحة للخلق، وأذكر ما تحمله نبيك صلى الله عليه وسلم في هذا السبيل من التضحيات الجسام حتى تغلب على سائر الصعوبات وانتصر دين الله، وأصبحت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى،

<<  <   >  >>