كانت فترة حاسمة تلك التي قضيتها أمام دور الأصنام المحطمة،- التي أحالها الزلزال، إلى شبه أطلال، والتي،- عندما تراءت لعيني- وجدتني أتمتم بقول الشاعر:
بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها ... وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه
حقا، وقفت أمام هذه الدور المحطمة الوقفة التي وقفها هذا الشاعر قبلي على أطلال من أحبهم قلبه، وصفا لهم وده، بل لعل هذه الوقفة أدعى إلى الحزن وأبعث على الألم والحسرة، وأين تقع فجيعة من أضاع خاتمه من فجيعة من أضاع شعبة من قلبه أو حطم أحد جناحيه.
وقفت خاشعا واجما ساكنا كأنني أحد هذه الأعمدة الباقية بعد الضربة القاضية، وتراءت أمام خيالي- خلال هذه الفترة- أطياف عابرة من الأمم الغابره، التي طواها الزمان، وعفى عليها النسيان، وطفرت- أمام عيني- أطياف أخرى من مواكب الأزمنة المتلاحقة، وما يخبئه الغد الرهيب لهذه الفلول الباقيه من تعساء الإنسانية التائهة في بيداء هذه الحياة التافهة، من هذا المصير المحتوم، فيصبح- مثل هؤلاء الذين نقف الآن على أطلالهم- أثرا بعد عين، وهكذا الحياة من بدايتها إلى نهايتها، رواية متشابهة الفصول متماثله المشاهد، والإنسان هو الإنسان من ولادته إلى موته، لا تموم هذه الأحداث من صغره، ولا يعتبرآخره بأوله. وبينما أنا مستغرق في هذه التأملات، أستجلي العبر من هذه المثلات، وأسكب ما صنته من عبرات، على هذا الجانب الخصيب، من الوطن الحبيب، الذي استحال حطاما وعاد أنقاضا، وإذا