للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين قلوبهم بأسلاك من المحبة والتفاهم فيسعد المجتمع ويرغد عيشه وتجري ريحه رخاء، وعلى العكس من ذلك قسوة القلب ولؤم النفس وجفاف الطبع وموت الحس، فإنها تبعد ما بين القلوب وتفصل مما بين الأرواح وتنفث في جو المجتمع سموم الشر والفتنة، وتبذر في تربته بذور التباغض والتقاطع والفرقة، فتلف المجتمع موجة من الشقاء وجهد البلاء ونكد الحظ. فيا أيها المسلمون! ليست كارثة الأصنام إلا امتحانا جديدا لإيمانكم وغيرتكم، فحذار ثم حذار أن تخرجوا منها بعيون جامدة وأيد مقبوضة وأفئدة هواء.

وأعلموا أن نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "السعيد من اتعظ بغيره" فخذوا العبرة من هذه الزلزلة قبل أن تحل بكم تلك الزلزلة التي تلف الكون كله من أقصاه إلى أقصاه، والتي يقول الله في وصفها: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.

أيها المسلمون: (مات الميت فليحي الحي) وإذا اندملت جراحات الجسد فإن جراحات القلب لا تندمل بسرعة، فاذكروا هؤلاء الذين يقطعون الليل أنينا في المستشفيات أي جراح يخرجون بها في قلوبهم، لأن الزوجة تخرج أيما والطفل يتيما، والرضيع فاقد الصدر الذي يضمه ويؤويه والثدى الذي يدر عليه والقلب الذي يحن إليه.

فإذا شحت أيديكم في هذه الكارثة العقام باليسير من الحطام، وجف في قلوبكم معين الرحمة بما تركته هذه الكارثة من أيامى وأيتام، وأنطفأت في صدوركم جذوة الإيمان، والشعور بأخوة الإسلام، فتلك هي الزلزلة التي ما بعدها زلزلة فحذار، ثم حذار.

<<  <   >  >>