بكوكب يضيئه، فالقمر آية الليل، والشمس آية النهار، كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}، وكالآيات التي في خلق الإنسان من نطق وتفكير، وعقل وتدبر، وحفظ وتذكر وتخيل وتصور، وضحك وبكاء، كما، قال تعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}؟
ومنها قوارع صوادع، تقرع الأسماع بجلجلتها المفزعة، وتصدع القلوب برجتها المذهلة، لأنها تحمل في تعبيرها العملي لغة الإنذار الأخير كما هو جار في المألوف المتعارف بين الناس إذ يقولون في أمثالهم السائرة: آخر العلاج الكي كالزلزال العقام: الذي فاجأ في هذه الأيام إخواننا سكان مدينة الأصنام، وهم وادعون نيام، تسبح أرواحهم في عالم الأحلام، فاستيقظوا على هول الفاجعة وفتحوا عيونهم على فزع القيامة، فخرج من بقيت له في كتاب العمر صفحات حاسر الرأس حافي القدم يحسب أن القيامة قد قامت، وأنه بعث من قبره ليساق إلى حشره وحطمت الكارثة من ختم كتاب العمر وإن كان صبيا في مهده أو رضيعا في حضن أمه أو خطيبا ينتظر ليلة عرسه ولقاء زوجه فيفوز بأعظم الأمل، أو عريسا ما زال لم يقض شهر العسل، وبقي مترجحا بين الموت والحياة، قسم اكتظت بهم المستشفيات، والذين لم تمسسهم الكارثة بأذى لم يسلموا من البلاء إذ بقوا خارج البيوت يلاقون العنت والجهد في الظفر بالقوت، لا يستطيعون إلى البيوت رجوعا، ولو هلكوا جوعا، لأن الزلزال ما زال يتعهد البيوت بالطروق بعد الطروق، على ما بهذه البيوت- البائسة من صدوع وشقوق.
ولكن هذه القوارع وإن ألحقت بالناس الضرر، وضاعفت لهم الخطر، فإن من ورائها منافع ومزايا، ربما رجحت بما فيها من كوارث ورزايا، فهي،- فوق أنها كالآيات الصوامت تنبه الغافل، وتذكر الجاهل، وتحرك الجامد، وتبعث على مراقبة النفس ومحاسبتها- تكشف عن معادن الناس، وتتجلى عن أسرار الأخلاق، ودخائل النفوس، بل إنها امتحان لمعدن الإنسان، كما تمتحن المعادن بصهرها بالنار، والناس- كما يقول عليه الصلاة والسلام- معادن، كمعادن الذهب والفضة، ففيهم الكريم والبخيل، وذو القلب الرحيم والإحساس الرقيق والوجدان النبيل، وقاسي القلب غليظ الطبع، جامد الإحساس ميت الشعور، فرقة القلب وكرم الطبع ونبل الإحساس ويقظة الوجدان هي الوشائج التي تربط بين أفراد الأمة برباط التضامن والتعاون، وتصل