نذكر بهذا الشهر- شهر ربيع الأول- ميلاد مصلح البشرية الأعظم: محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فكلما استنشقنا نسيم هذا الشهر، شممنا في طياته عرف هذه الذكرى العطر، وأنعش أرواحنا عبيرها الزكي، فنجد لذلك يقظة في شعورنا، وقوة في عزائمنا، وانشراحا في صدورنا، وإيمانا بديننا، وتشبثا بآمالنا.
وقد تعودنا أن نأخذ من هذه الذكرى أعظم الدروس، وأبلغ العبر، وقد آثرت هذه المرة أن آخذ من هذه الروضة المعطار، زهورا عبقة الشذا، وأهديها إلى القادة والمصلحين في الأمة الإسلامبة، علهم يجدون فيها ما يجلب العزاء إلى نفوسهم، ويطرد اليأس من قلوبهم، ويزيح العراقيل من طريقهم:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما إلى الكعبة ليصلي كعادته، فلما كان في الصلاة قال أبو جهل: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام عبد الله بن الزبعرى فأخد فرثا ودما فلطخ به وجه النبي صلى الله عليه وسلم- وظهره، فأتى عمه أبا طالب وقال: يا عم ألا ترى ما فعل ب؟ فقال له أبو طالب: من فعل بك هذا؟ فروى له الحادث، فتقلد سيفه ومضى مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أي مجلس القوم، فلما رأوه قد أقبل قاموا له، فقال لهم أبو طالب: والله إن قام رجل جللته بسيفي هذا!
ثم قال: يا بني من فعل بك هذا؟ قال: عبد الله بن الزبعرى، فأخذ أبو طالب فرثا ودما، فلطخ وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول، فنزل- إذ ذاك- قوله تعالى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عم نزلت فيك آية،