كل الإحسان، والإحسان- مع ذلك- يرتفع إلى مرتبة الواجب، متى أصبح جزاء، ومن هنا كان رد السلام- إذن- واجبا، لأنه جزاء الإحسان بالسلام، كما قال تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}؟، {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، وهو معنى المثل السائر:(الإحسان قروض)، وإذن، فالمحسن إلى غيره محسن إلى نفسه، كما قال تعالى:{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ}، وهذا مما يجعل العاقل يحرص على بذل الإحسان، فكل محسن سيجني ثمره ما زرع من الإحسان، وهو معنى قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
إن الإحسان في الأمة قوة تسند كيانها، وتوثق بنيانها، وتوطد أركانها، إذ تربط بين قلوب أفرادها، وتؤلف بينها، بما تبث فيها من محبة وتزرع من مودة، ولا عجب فقد (جبلت النفوس على حب من أحسن إليها)، ولا عجب- لذلك- أن يكون الله مع المحسنين كما قال:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، فمن تدرع بهذه القوة وكان الله معه فلا سبيل لأحد عليه ولا تمتد يد ظالم إليه، وهو وعد الله الذي لا يتخلف إذ قال تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}، ومن هنا قال ابن عباس رضي الله عنه:(صاحب المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكأ).
هذا باذل الإحسان، أما باذل الإساءة وباذر الشر- وهو الظالم- فلابد أن يقع، وإذا وقع فلا يجد متكأ، كيف يجد الظالم متكأ وهو لم يمهد لهذا المتكأ، وإنما بذر بظلمه وإساءته بذور الشوك في طريقه، والحسك في فراشه، وهو قد حاد الله باعتدائه على خلقه، وارتكابه ما حزم على نفسه قبل خلقه، إذ قال في الحديث القدسي:(يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا!) وإذا لم يجعل الله على المحسنين إلى خلقه سبيلا لظالم من خلقه، فإن الظالم بعكس ذلك قد عرضه للمهالك، وجعله بادي المقاتل لكل رام، إذ قال:- بعد الآية المتقدمه-: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وذلك هو دفاع الله الناس بعضهم ببعض، الذي حفط به ملكه من فساد عباده، إذ قال:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}، وذلك هو تسليط ظالم على ظالم ليبيد الظلم بعضه بعضا كما قال الشاعر: