إن التاجر الأمين لا يغش زبناءه وإن الشريك الأمين لا يخدع شريكه وإن
الزوجه الأمينة لا تخون زوجها وكذلك الزوج الأمين لا يخون زوجته بل ربما كان من دواعي خيانة الزوجات خيانة الأزواج وما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطبائع النفوس إذ يقول:"لا تزنوا تزن نساكم" وما أقل غيرة أولئك الأزواج الذين يخونون زوجاتهم ولا يخشون عاقبة هذه الخيانه، وما أقل إنصاف الرجل الذي يحرم الخيانة على زوجته ويبيحها لنفسه، هذه أنانية يجب أن يتنزه عنها الرجل النبيل ويجب أن يكون أسوة لزوجته وقدوة لأولاده، فلا أنفع ولا أجدى في إصلاح البيت والمجتمع من القدوة الصالحة ولا أضر ولا أجرأ للناس على الشر من القدوة السيئة، وهذا موضوع هام يجب أن يفرد له فصل بذاته، ولعله غير بعيد بحول الله.
ولكن- إذا كانت الأمانة بهذه المكانة من الشمول والسعة- فهل هي مستغنية عن غيرها من الصفات؟ إن عبقري هذه الأمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:"أشكو إلى الله ضعف الأمين وخيانة القوي". ما أقوى رصيد هذه الكلمة، وما أدلها على عبقرية هذا الرجل العظيم! كم في الناس من أمثلة سامية في الأمانه ولكن ينقصهم بعد الغور والبصر ببواطن الأمور والنفاذ إلى لباب الأشياء، فيسيئون وهم لا يريدون الإساءه، ويضيعون الفرص التي قلما تتاح بعد ذلك، وتلعب بهم أهواء الدهاة من الناس والمتمرسين بأحوال المجتمع من الرجال.
وكم في الناس- كذلك- من أمثلة عالية في هذه الأشياء ولكن تنقصهم
الأمانة والنزاهة وطهارة الضمير، فتغلب عليهم الأنانية فيخدمون أنفسهم بالتظاهر بخدمة الناس ليكسبوا لأنفسهم حسن السمعة وبعد الصيت والوصول إلى أغراضهم وهؤلاء هم الذين تحسن بداياتهم ويفتضحون- غالبا- في نهاياتهم، أما أن تجتمع الحسنيان في واحد فذلك جد قليل بل أقل من القليل، ما جعل ابن الخطاب الحريص على فلاح هذه الأمة يزفر تلك الزفرة ويشكو تلك الشكاة المرة ويقول:"أشكو إلى الله ضعف الأمين وخيانة القوي".
ولقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو الذي لا ينطق عن الهوى-
لرجل واحد باجتماع هاتين المزيتين فيه- الأمانة والقوة- هو أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه.