للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أريج الحب الأخوي- أصبحت النصيحة بينهم جريمة وأصبح صالحهم كما قال عمر رضى الله عنه: (من لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ... )

وهكذا قلب الإنسان إذا خلا من الإيمان عمره الشيطان كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} الآية المتقدمة في الفصل المتقدم ... وإلا فإن النصح لا ينافي الحب، بل بالعكس، إن الذي لا ينصحك لا يحبك، والمثل يقول: (من حب طب) كما يقال: (المحبة بذل المجهود) ولما كان صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية القصوى في محبة أمته حتى قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فإنه بلغ الغاية القصوى كذلك في الحرص على هدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، حتى قال تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ (أي مهلك) نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}.

إن الحب أنواع: وأشرفه ما كان لله، وهو الحب الذي ربط بين المسلمين

برباط الأخوة الدينية، وجعلهم وحدة قوية متماسكة، استطاعت أن تكتسح من طريقها قوى الشرك والظلم والوثنية، وهي التي جعلت للعرب قيمة في التاريخ وأي قيمة، لذلك امتن الله بها عليهم إذ قال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}.

هذا الحب هو الذي ينفع في الدنيا لأنه جعل للعرب دولة بعد أن كان بعضهم لبعض عدوا، ويجعلهم الآن دولة إن عادوا إليه وتعاملوا به، وينفع كذلك في الآخرة فإن هذه الصداقات- كلها تذوب بين يدي الله يوم تعرض أعمال العباد على الله، ولا يبقي منها إلا ما كان لله، بل كل متحابين في هذه الدنيا ينقلبان في الآخرة وكلاهما عدو للآخر، قال الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} وروى أحمد والحاكم أن أبا إدريس الخولاني قال لمعاذ: إني أحبك في الله، فقال له: أبشر، أبشر، فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:

"ينصب لطائفة من الناس كراس حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر، يفزع الناس وهم لا يفزعون، ويخاف الناس وهم لا يخافون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" فقيل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فقال: "هم المتحابون في الله".

<<  <   >  >>