عليه الاستعمار أو ينشئه أو يتربى في حضنه، وبين مسرح تكونه الأمة لنفسها وتشرف عليه الفئة الصالحة من أبنائها، بين فن لا يوجه إلا إلى جسد المرأة ولا يوقظ في النفس إلا الإحساس بهذا الجسد وبين فن يجعل هدفه خدمة الشعب من ناحية أخلاقه- لامن ناحية أهوائه- فيقدم له الروايات الأخلاقية التي ترمي إلى تقوية جانبه الأخلاقي، والروايات التاريخية التي تصور له كيف كان أسلافه الكرام مثالا أعلى للتضحية والمفاداة والصبر والثبات وشرف الضمير والاعتداد بالنفس والثقة في الله والايمان بعدله، فيستفيد أمرين: الفن في حسن العرض والأداء، والخلق في تصوير السلوك الإنساني الأقوم، متمثلا في أشخاض يتحركون ويغدون أمامه ويروحون، وفي تصوير ثمرة هذا السلوك، وتشخيص عاقبة أهله، وهي نصر الله لهم والتمكين لهم في أرضه.
ولكن كل شيء يوجد في مسارحنا غير هذا النوع من الفن الذي ينشىء الأجيال الصالحة ويوجه الشبيبة المضطربة في سلوكها، ثم يريد منا دعاة هذا الفن ورعاة هذا (الجهاز) أن نسكت عنهم بل يودون أن نشكرهم عليه، ونعينهم بدعوة الناس إليه، يالله! كم يحب هؤلاء الناس أن يؤيدهم الناس في الحق وفي الباطل وإلا فمتى شكر الناس من يغشهم؟ وكيف يشكر المسلم من يغشه ونبيه صلى الله عليه وسلم يقول:"من غشنا فليس منا" إن هذا- وأيم الحق- منكر يجب على كل مسلم تغييره بكل ما في وسعه من وجوه تغيير المنكر، ولو كنا نملك تغييره باليد لغيرناه منذ رأيناه، ولكن إن لم نملك اليوم تغيير المنكر بأيدينا فإننا نقاومه ما استطعنا بألسنتنا وأقلامنا- رضي من رضي وكره من كره- لأننا والحمد لله- مازلنا نؤمن بهذا الدين، ونعرف قوله صلى الله عليه وسلم:"من رآى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" ونؤمن- إلى ذلك- بأن في الناس من اتخذ إلاهه هواه، فلا بد أن يصطدم المصلحون بهذا النوع، ولكن الله ولي المتقين.