تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}. فقوله {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ}؟ فيه تشويق إلى العمل الصالح المثمر، كما تثمر التجارة الرابحة التي اتبعت فيها طرق التجارة الصالحة ووسائلها الناجحة، وقوله:{تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} فيه تخصيص لهذه التجارة وتمييز لها عن هذه التجارات التي تتغلب فيها الأنانية والشهوات الحيوانية فتهلك أصحابها بدل أن تنجيهم، وقوله:{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} هذا هو رأس المال لهذه التجارة، وقوله:{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} هذا هو الربح المؤجل لها وهو الربح الأوفر، ولذلك عقب عليه بقوله:{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقوله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} هذا هو ربحها المعجل، وهو الذي تؤثره النفس وتتعلق به ولذا قال:{تُحِبُّونَهَا} لأن النفس مولعة بحب العاجل و {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}.
فيا طاليا للربح مولعا بالتجارة: ها هي تجارة مضمونة الربح مأمونة الخسارة، مربحة في العاجل والآجل وهي لا تكلفك إلا أن تتطهر من ذنبك وتتصل بربك بإيمانك به وطاعتك له، وجهادك في سبيله بنفسك ومالك فتتغلب على أهوائك وأعدائك، ومتى تغلبت على أهوائك وأعدائك فقد أصبحت سيد العالم وخليفة الله في الأرض كما أراد الله لهذا الكائن الممتاز أن يكون، لاسما وأنت من خير أمة أخرجت للناس، أما إذا كنت عبدا لأهوائك فإنك ستبقى عبدا لأعدائك، وستعيش مغلول اليدين لا تعرف الحرية معصوب العينين لا ترى النور، مختوما على فمك لا تترنم بأغانيك ولا تسمع الكون أناشيد الحرية والحق والجمال.
- إذن- فمدار الأمر على هذه التجارة، إذ فيها ربح الدنيا والآخرة، ورضى الله والناس والنصر القريب على العدو الداخلي وهو النفس، والعدو الخارجي، وهو المستعمر فانصر الله ينصرك وتاجر مع الله يربحك {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}