للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هؤلاء الذين تجردوا للخير: يفعلونه ويعينون عليه ويدعون إليه، هم ملح الأرض يصلح الله بهم الأرض، وهم بذور الخير يبث الله بهم أنواع الخير، ولا يضع من قدرهم أنهم قلة فالخير قليل وكرام الناس قليل:

تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها: إن الكرام قليل

وكل شيء كريم ونفيس قليل، لأن له من كرمه ونفاسته كثرة، فالمثقال من الذهب من حيث الكمية قليل، ولكنه في القيمة أكثر من أضعاف مضاعفة من الحديد، والرجل الذي يحيي أمة بعلمه أو رأيه أو ماله خير عند الناس وأفضل عند الله من ألف ليس فيهم من يغني غناءه أو يسد مسده:

والناس ألف منهم كواحد ... وواحد كالألف إن أمر عنا

وهؤلاء الذين تجردوا للشر، يفعلونه ويعينون عليه ويدعون إليه، هم جراثيم البشرية، تشقى بهم البشرية وتفسد بهم الأرض ويتسمم بهم الهواء، ولا يرفع من قدرهم أنهم كثرة، فكم من كثير حقير، وهم إن كثروا في العدد قد قلوا في القيمة، بل على قدر كثرة الأشرار يعظم قدر الأخيار، إذ يعظم أجرهم ويتسع ميدان عملهم وجهادهم فالواحد من الأخيار، يصلح الله به أمة من الأشرار، فيعظم بذلك قدره عند الناس وأجره عند الله.

وهكذا الناس منذ كان الناس، منهم من جعله الله وعاء للخير، فلا يفعل إلا خيرا ولا يعين إلا على خير، ولا يدعو إلا إلى خير، ومنهم من جعله الله وعاء للشر، فلا يفعل إلا شرا ولا يعين إلا على شر ولا يدعو إلا إلى شر:

"وكل إناء بالذي فيه يرشح"

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}.

- أيها المسلم- يجب أن تكون في المنزلة العليا، واربأ بنفسك أن تكون

<<  <   >  >>