للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من القلوب الإحن والأحقاد التي هي بذور الفتن والشرور، كما يقول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: "تهادوا فإن الهدية تضعف المحبة وتذهب بغوائل الصدر" وقد كان صلى الله عليه وسلم يهدي ويقبل الهدية ويكافيء عليها، حتى روي عنه أنه قال: "لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي كراع لقبلت" وقد أهدى إليه رجل من فزارة ناقة فعوضه منها فأبدى سخطه فصعد المنبر فقال: "يهدي أحدهم إلى فأعوضه بقدر ما عندي ثم يسخطه، وأيم الله لا أقبل بعد عامي هذا من العرب هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي" وأهدي إليه المقوقس ملك القبط كذلك، وقد كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس إهداء لأنه أعلم الناس بأثر الهدية، وهو شييوع المحبة ونموها في المجعتع وقد ظهر أثر ذلك بارزا فيمن أهدي إليهم، فقد روي أن صفوان بن أمية قال: (ما زال رسول الله يعطيني من غنائم حنين، وهو أبغض الخلق إلي حتى ما خلق الله شيئا أحب إلي منه) وهناك الكلمة الطيبة الندية تفعل في ترطيب القلوب وتطهير المشاعر ما تفعله الهدية.

روى البخاري عن عمرو بن تغلب قال: "أعطى رسول الله قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال: "إني أعطي قوما أخاف هلعهم وجزعهم، وأكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى، منهم عمرو بن تغلب" قال عمرو: (فما أحب أن لي بكلمة رسول الله حمر النعم) وهكذا يسع الخلق ما يضيق عنه المال كما قال عليه الصلاة والسلام: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم" بل إن القرآن يقول: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} والمتنبي يحوم حول هذا الجو إذ يقول: (فليسعد النطق إن لم يسعد الحال) وغاية الغايات في هذا الباب كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين التي يجب على كل مسلم أن يحفظها.

فقد روى أبو سعيد الخذرى قال: لما أصاب رسول الله الغنائم يوم حنين وقسم للمتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار شيء منها قليل ولا كثير، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم: لقي- والله- رسول الله قومه- فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله فقال: يارسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم، قال: فيم؟ قال: فيما كان من

<<  <   >  >>