منه، وإنما نقول: ليست الحياة كلها لعبا، كما أنها ليست كلها جدا، بل لا تصلح الحياه إلا بكليهما، ولكن كل على قدره، فليس اللعب إلا إستراحة من عناء الجد، كما أن النوم ليس إلا إسحراحة من العمل وضوضاء النهار، ولذا فالوقت الذي ينفق في اللعب يجب أن يكون أقل بكثير من الوقت الذي ينفق في الجد، أما أن ينفق الوقت كله في اللعب فتلك هي الجريمة التي ما بعدها جريمة، وذلك هو السفه الذي دونه كل سفه، والذي يفعل ذلك مثله مثل من ينفق ماله كله فيما لا يعنيه ولا يحتاج إليه، ويمسكه فيما هو أهم له وأجدى عليه ويؤسفني أن هذا هو ما عليه أكثر شبابنا، الذي نعلق عليه أكبر آمالنا، ونمني أنفسنا بأن يكون على يديه خلاصنا، وهذا المرض ناشيء عن مرضين آخرين: الجهل بقيمة الوقت وعظم مسئوليته وخطورة أثره، وانقطاع الصلة بين ماضي الأمة وحاضرها، ولو فكر الناس في أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يعوض، لاغتنموا كل لحظة من أعمارهم فيما يعود عليهم بالنفع عاجلا وآجلا، ولو تذكر المسلم أن أول ما يسأل عنه يوم القيامة، هو وقته لعمره كله بما يرضي ربه، ففي الصحيح أن الني صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله فيم أنفقه؟ ومم أكتسبه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟.
ولو قرأ شبابنا تاريخهم الذي هجروه إلى تاريخ لا تصلهم به أي صلة، لاطلعوا من ذلك على كنوز يعز العثور على مثلها في أي تاريخ، ولرأوا من أجدادهم العجب العجاب، في هذا الباب، ومن كان مثل أجدادهم في النهار فرسانا وفي الليل رهبانا؟ إنهم كانوا لا يعرفون هذا النوم الموصول الليل بالنهار الذي نقضي عليه حياتنا اليوم، نوم بالليل واشتغال بالسخافات بالنهار، وكانوا لا يعجبون لشيء عجبهم ممن ينام ليله كله: روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه،- إذن- فما أكثر من يبول الشيطان في آذانهم في زمماننا هذا!
وقيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتنام من النهار؟ فقال: وهل أنام الليل حتى أنام النهار؟ إنني إذا نمت الليل أضعت حقي، وإذا نمت من النهار أضغت حق رعيتي، فكيف لي بالنوم مع هذين؟ وإنما هي خفقات بعد صلاة الصبح"، ولا يعجب