أنكرت عليك- أيها المسلم- أن تعين على قتلك من يريد قتلك، وتساعده على وضع العراقيل والعواثير في طريق خلاصك وفوزك.
إني لا أنكر أن يكون لك عشر لغات، لا لغة واحده.
"فكل لسان في الحقيقة إنسان"
وكما يقول الشاعر، ولكنني أنكر أن تقطع لسانك وتضع مكانه لسان غيرك، فتبقى بدون لسان إذ لا يغنيك عن لسانك أي لسان.
إنك- يا أخي- إذا أضعت هذا اللسان تكون قد أضعت معه دستور القرآن الذي جعله الله مناط سعادتك، إذ قال:{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} وأضعت معه تراث نبيك الكريم وتاريخ أجدادك العظيم، وقطعت صلتك بكل ما يقوي كيانك ويقوم شخصيتك، لأن اللغة العربية هي مفتاح ذلك كله، وقد رأينا بأعيننا كيف أن من أضاعها فقد أضاع ذلك كله.
وإنما أسجل هذا كله وأضع نفسي تحت مسئوليته الثقيلة لأني- كما شاهدت افتتاح السنة الدراسية للمدارس الفرنسية- شاهدت كذلك افتتاح السنة الدراسية للمدارس العربية ورأيت الفرق الكبير، والبون البعيد، بين هذه وتلك، فبكيت على العربية التي كانت لغة العالم المتحضر، يوم كان هذا العالم لا يعرف من العلم والأدب والفلسفة والطب والحكمة إلا ما جاء من طريق هذه اللغة التي نقلت كل تراث اليونان الخالد وهذبته وأضافت إليه وحملت أشعته إلى أرجاء الدنيا كلها فوق ما حملت إليها من وحي السماء وحكمة إمام الأنبياء، ثم أصبحت غريبة في عقر دارها، تحارب من أبنائها كما تحارب من غير أبنائها، ورأيت ما يذيب لفائف القلوب حسرة، وينزف دموع العيون رثاء: رأيت المدرسه العربية ذات الثلاثة فصول، لا يؤمها من أبنائها - يوم افتتاحها- أكثر من عشرة متثاقلين متباطئين {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} بعضهم بدون كراس والآخر بدون قلم، وأكثرهم على حالة من التشعث والفوضى ورداءه الثياب، تعرب عن زهد آبائهم وأمهاتهم في هذا التعلم الذي يرونه تعلما لا يشبع ولا يروي ولا يكسو ولا يؤوي، والذي لا يضطرهم إليه إلا حماية أولادهم من طوارىء الشعوارع وحماية بيوتهم من سوء أخلاقهم في أيام عطلة