قال تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فخير لنا أن نحرص على تكميل هذه الزينة، ونجتهد في العناية بها، والحياطة لها، ليكون أولادنا {زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} حقيقة، وإلا كانوا على حد قول شاعرنا المتشائم أي العلاء المعري:
أرى ولد الفتى عبئا عليه ... لقد سعد الأتي أس! ى! ا
فإما أن تربيه عدوا ... وإما أن تخلفه يتيما
ولكن على رسلك- يا قارئي العزيز- فقد نسينا بداية الطريق: إن صلاح الولد يبدأ من صلاح الوالد إذ (لا يستقيم الظل والعود أعوج)، ويوم أن كان آباؤنا صلحاء كان أبناؤهم صلحاء، ولأضرب لك مثلا يكون لك منارة في هذا الطريق: لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، وخطب الناس خطبته الأولى، وذهب ليقيل (ينام القيلولة)، أتاه إبنه عبد الملك فقال له: ما تصنع؟ قال: أقيل، لأني سهرت البارحة، قال: أتقيل، ولا ترد المظالم؟ قال: إذا صليت الظهر رددتها، فقال له: من أين لك أن تعيش إلى الظهر؟ فقبله وقال: الحمد لله الذي أخرج من ظهري مما يعينني على ديني.
إن ولدا كهذا لا يحتاج إلى مال يرثه عن أبيه، فإن له من هذا الرصيد الديني الخلقي ما يكفيه، ولذا روي أن عمر بن عبد العزيز لما مات خلف أحد عشر إبنا- هذا أحدهم- وتركهم فقراء إلا من هذا الرصيد الديني الخلقي العظيم، وقال لهم عند وفاته: ليس لي مال، فأوصى فيه، يا بني: إني خيرت نفسي بين أن تفتقروا إلى آخر الدهر وبين أن يدخل أبوكم النار، فاخترت الأولى يا بني عصمكم الله، وقد وكلت أمركم إلى الله {الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}، وخلف هشام أحد عشر إبنا- كذلك- ورث كل واحد منهم ألف ألف دينار، فأما أولاد عمر بن عبد العزيز فما رؤي أحد منهم إلا وهو غني، ومنهم واحد جهز من ماله ألف فارس، على ألف فرس في سبيل الله، وما رؤي أحد من أولاد هشام إلا وهو فقير، ولقد رؤي أحدهم وهو يوقد النار في التنور أجرا.