لا تهمهم إلا أنفسهم، إذ ليس مما يهم النفس أن تعيش عيش العبيد، وتحيا حياة الأسرى وتتجرد من كل خصائص الأحياء إلا من الطعام والشراب واللباس، فإن كان هذا اللون من الحياة يهم مخلوقا فلا يكون إلا من تلك المخلوقات التي ليس لها ضمير ولا عقل ولا شرف.
إن حسن التوجيه- إذن- هو كل شيء في بناء الشعوب، هو مقود السيارة الذي ما أصابه العطب إلا وأصاب العطب السيارة ومن فيها.
وإن حسن التوجيه، هو الذي ينقصنا اليوم، فلا جرم كانت حركتنا من الاضطراب والفوضى كزورق في بحر لجي مزقت العواصف شراعه حطمت الأمواج مجدافه.
وإن حسن التوجيه لا يعتمد على العلم وحده، وإنما يعتمد- أكثر من ذلك- على نور الحكمة الذي يقذفه الله في قلب من أحبه من عباده كما قال تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.
وإن الله- لذلك- يجعل هذه الحكمة، أداة التوجيه الصحيح، والدعوة الرشيدة إذ يقول:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ثم يفسر جانبا من هذه الحكمة، إذ يقول بعد ذلك:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، والتي هي أحسن، هي الكلمة الرقيقة الندية الموجهة التي تنزل على القلب كما تنزل قطرة الندى على برعم الزهرة فيتفتح ويبتسم للحياة، وإذا بهذا القلب المغلق على ظلمته، المنطوي على تنكره للحق، المصطلى بنار حقده وعداوته، قد انتفض من هجعته، وانقلب للحق حليفا بعد عداوته، كما تصرح بذلك الآية الأخرى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
يجب- إذن- أن نكون حكماء، إذا أردنا أن نكون موجهين، فليس معنى التوجيه إلا أن نكون حكماء، ولتجلية هذا المعنى أعرض بعض الأمثلة:
كثيرا ما أسمع الوعاظ والمرشدين، يخصون الشبان في- دروسهم- بإعلان إعجابهم وتنويرهم- وحلقات الدروس مزيج من الشبان والشيوخ- وعندي أن هذا التخصيص ليس من الحكمة في شيء، إذ ربما أدى إلى خلو الميدان من ذوي الخبرة والرأي والتجربة، وهم الشيوخ.