للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استرزاق، وأداة خداع، وجسرا للأطماع، وبدأ ذلك منذ بدأ النفاق، والناس منذ القدم- ينخدعون للمتجرين بالدين، فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان لا يعجبه شيء من ماله أو عبيده إلا تقرب به إلى الله عملا بقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، فعرف منه عبيده ذلك فأخذوا يحسنون من سمتهم ويجتهدون في عبادتهم (ويسبقونه إلى المسجد) طلبا للحرية الغالية، فكان ابن عمر يعتق كل من أعجبه دينه من عبيده، فقال له بعض أصحابه: إنما يقومون بذلك خداعا لك لتمن عليهم بالعتق فقال: (من خدعنا بالله انخدعنا له).

وإن الناس لو تطهروا من الجهل وأدركوا حقيقة الصلاة وفهموا معنى ركوعها وسجودها وما يتلى فيها من كلام الله لانتفعوا بالصلاة ولنهتهم عن كل ما يسخط الله، أو لاتحدت صفوفهم خارج الصلاة كما اتحدت صفوفهم في الصلاة.

وأعجب من هذا الضرب ما سمعته من ضرب آخر من الناس، من أن الدين مجرد أخلاق، نعم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ولكن هذه غاية لا بد لها من وسائل تحققها وتمكن من الوصول إليها، كالصلاة، والصيام والجهاد، فالصلاة: {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، والصيام يروض عليها، والجهاد يحرسها ويحميها.

ومن حكمة الله أنه رصد لكل غاية دعانا إليها وسائلها التي تعيننا عليها وتمهد لنا السبيل إليها، ولكن جهلنا وغلبة شهواتنا يقعدان بنا عن كل غاية لأنهما يحولان بيننا وبين وسائلها، وهيهات مقصوص الجناح يطير.

وأعجب من ذلك كله ذلك السؤال المضحك المبكي الذي مازال يثير عجبي ويشغل مشاعري ويطن في أذني، ذلك أن شابا أعرفه محافظا متدينا، عرض لي ذات يوم، وأعتذر لي قبل أن يسألني: هل في الدين من مبرر لشاب مثلي ليس له على الزواج قدرة، ولا على العزوبة صبر، أن ... ؟ قلت له- في دهش-: ماذا تقول؟ إحترم دينك، أو لست مسلما؟ قال: بل أنا مسلم، ولكنني مضطر، قلت له: إن الله لا يأمر بالفحشاء، وليس في الأمر ضرورة، إنما الضرورة في القوت الذي من عدمه يموت، والله تعالى يقيد هذه الضرورة بذلك إذ يقول: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} والمخمصة! الجوع، وليس هذا من ذلك، وأن الله إذ شرع دينه كفل بقاءه بما أحاطه

<<  <   >  >>