إن الذي أدى إلينا هذا الأمين فقال رجل: لما كنت أنت أمينا كان الناس كلهم أمناء ولو رتعت لرتعوا قال: نعم. وهذا عثمان رضي الله عنه لما أراد صلى الله عليه وسلم غزو تبوك رغب الناس في النفقة في سبيل الله- قال عثمان: (علي مائة بعير بأقتابها وأحلاسها، ثم رغب صلى الله عليه وسلم في النفقة في سبيل الله فقال عثمان رضي الله عنه: وعلي مائة أخرى بأقتابها وأحلاسها ثم فعل ذلك في الثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك ما على عثمان ما فعل بعد هذه، وكانت في المدينة بئر لرجل من اليهود لا يستقى منها أحد إلا بثمن فاشتراها عثمان بأربعين ألفا وأباحها للمسلمين، وكان بجوار المسجد بيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشتراه وزاده في المسجد فله الجنة، فاشتراه عثمان بعشرين ألفا وأدخله في المسجد، وأصاب الناس قحط في خلافة أبي بكر فلما اشتد بهم الأمر جاءوا إليه وقالوا: يا خليفة رسول الله إن السماء لم تمطر والأرض لم تنبت فماذا نصنع؟ قال: انصرفوا واصبروا فإني أرجو الله أن لا تمسوا حتى يفرج الله عنكم، فلما كان في آخر النهار ورد الخبر بأن عيرا لعثمان جاءت من الشام فخرج الناس يتلقونها فإذا هي ألف بعير موسوقة برا وزيتا وزبيبا فأناحت بباب عثمان فأقبل التجار فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: إنك لتعلم ما نريد بعنا من هذا المال الذي وصل إليك فإنك تعلم ضرورة الناس إليه قال: حبا وكرامة كم تربحوني على شرائي؟ قالوا: الدرهم درهمين قال: أعطيت زيادة على هذا، قالوا: أربعة قال: أعطيت زيادة على هذا قالوا: خمسة قال: أعطيت أكثر من هذا قالوا: يا أبا عمرو ما بقي في المدينة تجار غيرنا وما سبقنا إليك أحد فمن ذا الذي أعطاك؟ قال: إن الله أعطاني بكل درهم عشرة أعندكم زيادة؟ قالوا: لا قال: فإني أشهد الله أنني جعلت ما حملت هذه العير صدقة لله على المساكين وفقراء المسلمين.
وهذا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وجد درعه عند نصراني فأتى به شريحا قاضيه يخاصمه مخاصمة رجل من رعاياه- وهو خليفة- وقال: إنها درعي ولم أبع ولم أهب فسأل شريح النصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟ فضحك علي وقال: أصاب شريح مالي بينة، فقضى شريح بالدرع للنصراني فأخذها ومشى وأمير المؤمنين ينظر إليه ... إلا أن النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول أما أنا فأشهد أنها أحكام أنبياء، أمير