فزادت بذلك همومهم وأتعابهم وأسقامهم، وبذلك لم يحصلوا من المدنية إلا على الإسم، ولا من السعادة إلا على القشر، ولا من الحياة إلا على العمل المتواصل كالآلة المتحركة على الدوام، ومن العجيب أن أعظم الطبقات شقاء بهذا وأكثرها شكوى منه هي طبقة الأغنياء وأرباب رؤوس الأموال الذين كان ينبغي أن يكونوا أكثر الناس راحة وأوفرهم حظا من السعادة، ولكن لحكمة سامية حق عليهم قول القائل:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي صنع الفقر!
وانطبق عليهم قول الله تعالى:{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، إنما يشقون بما جمعوا ثم يموتون قبل أن يتمتعوا بما جمعوا ويتركونه بعدهم غنيمة باردة لمن يبددها فيما لا يعود عليهم بأجر ولا بحسن ذكر، فهم كما قيل:
كدودة القز ما تبنيه يهدمها ... وغيرها بالذي تبنيه ينتفع
أما هذه الكلمة الآثمة:(ليس لي وقت) التي يكثر دورانها على الألسنة فهي الكذبة الضخمة، والفرية العامة التي قلما ينجو منها لسان ناطق قصد أو لم يقصد، فإن الله منح الوقت، كل من منحه الحياة وإنما يتفاوت الناس في حظهم من الحكمة التي هي المنحة الإلاهية العظمى التي لا يخص الله بها إلا من أحبه وأراد هدايته وتوفيقه كما قال- تعالى- {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.
هذه الحكمة، هي التي تناقصنا في الإنتفاع بالوقت، وفي حسن تنظيمه وتوزيعه، وتقديم الأهم على المهم من الأعمال، حتى لا تتراكم الأعمال فتأكل لنا أثمن ما في الحياة وهو الوقت، ثم نظل نشكو زحمة الأعمال ونقول: ليس لنا وقت، والحقيقة الناصعة هي: ليس لنا حكمة حسن التصرف في الوقت.
ولكن الإسلام، دين النظام، وأكبر ما يتمثل هذا النظام في الوقت الذي تظهر دقة عناية الإسلام به في أعظم شعائره، وهي الصلاة، التي فرضت في اليوم خمس مرات، في خمسة أوقات، بحيث يعتبر تأخير أي صلاة عما حدد لها من الأوقات، من أكبر الخطايا، وأعظم المخالفات، وذلك إشعار بعظم قيمة الوقت، وتعليم لحسن التصرف فيه، والمحافظة على كل جزء منه