إلى الأرض واتبع هواه وهو اليوم يسير في مؤخر القافلة ذليلا صاغرا تابعا بعد أن كان متبوعا ومقودا بعد أن كان قائدا وعبدا بعد أن كان سيدا يستهدى قوانين الأرض فلا تزيده إلا ضلالا بعد أن كانت وجهته في الحياة تأتيه وحيا من الله وخططا مرسومة من السماء.
إننا اليوم بين شاب سحرت عينيه مفاتن أوربا وعرى أوربا ومراقص أوربا وبين شيخ عجز عن مكافحة هذه التيارات الجارفة فأستسلم للقضاء وأغمض عينيه أو بين كهل ترك العمل وتعلق بسراب الأمل عاكفا على ذنبه وهو يرجو الفوز من ربه، وهذا الطراز هو الذي عناه الحسن البصري بقوله: "إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا وليس لهم حسنة يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل ثم تلا قوله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} إن المسلمين ما سلط الله عليهم هذا الشيطان الآدمي الذي وفد عليهم من وراء البحار يتبعون خطواته ويعملون بإشاراته حتى جعلا الإسلام- وهو إمامهم- وراء ظهورهم وألقوا بالمصحف من أيديهم وهو معني قوله تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}.
فلنتدارك الأمر ولنكسب الوقت ولنحاسب أنفسنا على كل دقيقة ماذا فعلنا فيها ... لنعرف قيمة الوقت فلا جريمة كإضاعة الوقت لندرك أننا مسؤولون عن هذا الوقت الذي ننفقه في كل شيء إلا فيما يفيد، إن الذي يجمع صلواته لا يعرف قيمة الوقت وإن الذي يقضي في المقهى أو الملهى كل أوقاته لا يعرف قيمة الوقت، بل إن الذي ينام الليل كله لا يعرف قيمة الوقت.
فيا أيها المسلم أعيذك- وقد كان نهارك جهادا أو ليلك قياما- أن تكون كما قال الشاعر:
نهارك بطال وليلك نائم ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وأنت أيها الشاب المسلم ليكن شعارك قول القائل:
سأنفق ريعان الشبيبة ... آنفا على طلب العلياء أو طلب الأجر