خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، إننا نستطيع أن نعرف سياسة الإسلام كلها من هذه الكلمة:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وإذا كانت الكلمة اللينة والصدر الرحب من خير أدوات الدعوات بحيث تجعل العدو صديقا كما تشير إليه الآية، فبعكس ذلك تكون الكلمة الجافية والصدر الضيق من شر أسباب النفور بحيث يجعلان الصديق عدوا، وهذا ما آل إليه حال المسلمين بعد أن انحرفوا عن منهج القرآن وأدب الإسلام، فقد كانت أخلاقهم تفتح لهم القلوب وتفسح أمامهم الطريق وتجعل من أولئك الأعداء الأشداء والخصوم الألداء أخدانا وإخوانا وعلى الدعوة إلى الله ونصره دينه أنصارا وأعوانا، فأصبحت اليوم أخلاقهم وبالا عليهم: تجعل من أصدقائهم خصوما ومن أنصارهم أعداء فإلى الله المشتكي غير أن الضربة التي أصابت الدعوة الإسلاميه في الصميم هي أن الدعاة- إلا قليلا منهم- ليسوا على شيء مما يدعون إليه فلم يبدأوا بأنفسهم في تأييد دعوتهم ولم يعطوا الشهادة العملية على ما يدعون إليه، فشككوا الناس في دعوتهم التي لم يحترمونها ولم يؤيدوها بأعمالهم وهذا هو المقت الذي حذر منه القرآن إذ قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ذلك أن الداعي قدوة لمن يدعوه ولذا لما سئل عليه الصلاة والسلام: ما هو البلاء؟ قال: العلماء إذا أفسدوا، وهذا هو السر في نجاح الدعوة الإسلامية يوم أن كان على رأسها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنهم المثل الأعلى للكمال الإنسانى والصورة الحية الناطقة لما يدعون إليه لأن الناس يؤثر فيهم حسن العمل أكثر مما يؤثر فيهم حسن القول، فقبيح أن يدعو داع إلى شيء لم يفعله أو إلى خلق لم يتحل به، ولذلك جعل الله العمل الصالح من صفات القول الحسن وهذا من بدائع القرآن التي أنفرد بها إذ يقول:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فليتعظ بذلك دعاتنا فكثير منهم أحوج إلى الموعظة ممن يعظونهم وهذه فضيحة لهم في الدنيا قبل الآخرة. فليست الدعوة إلى الله- إذن- كلاما مجردا عاديا يستطيع أن يملأ به شدقيه كل من لاحظ له من دين أو خلق ولا خلاق له من إيمان أو استقامة، وإنما هي كفاح مرير ينبغي إن لا يخوض غماره إلا من تسلح له بسعة الصدر ولين القول واستقامة السيرة وبلاغة المنطق وقوة الحجة، ثم تأتي بعد ذلك مسؤلية الجمهور الذي يجب عليه أن يبلغ ما سمع إلى إخوانه الذين