وغلبت الثلاثمائة والثلاثة عشر من المسلمين الألف من المشركين، فسقط منهم في الميدان سبعون قتيلا، واختطف من ظهور الخيل سبعون أسيرا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى فطرحوا في القليب ثم وقف عليهم وجعل قول:"يا أهل القليب: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا" وهكذا لم ينس صلى الله عليه وسلم أن هذا النصر نعمة من الله ووعد أنجزه الله {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وفي غزوة بدر لم يرحم الله أعداء الإسلام ولم يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولم يرض بما رضي به المسلمون من قبول الفدية منهم والإبقاء عليهم بل نزل الحكم من السماء صارما حاسما بعتاب النبي صلى الله عليه وسلم: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} كما كان المسلمون في هذه المعركة مثال الصرامة والحمية لله ولدينه فكان المسلم يقتل أباه أو ابنه أو أخاه في سبيل الله بلا مبالاة لأنه باع نفسه لله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}.
فهذا أبو عبيدة يقتل أباه عبد الله وهذا مصعب بن عمير يقتل أخاه وهذا عمر يقتل خاله العاص بن هشام، وهذا أبو بكر يهم بالخروج ليقتل ابنه عبد الرحمن فيرده صلى الله عليه وسلم قائلا:"متعنا بنفسك" فينزل قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.