وكتب سراقة بالفتح وبالذى وجه فيه هؤلاء إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فأتى عمر أمر لم يكن يرى أنه يستتم له على ما خرج عليه سريعا بغير مؤنة، وكان فرجا عظيما به جند عظيم، إنما ينتظر أهل فارس صنيعهم، ثم يضعون الحرب أو يبعثونها.
فلما استوثقوا واستحلوا عدل الإسلام مات سراقة، رحمه الله، واستخلف عبد الرحمن بن ربعة، وقد مضى أولئك القواد الذين بعثهم سراقة، فلم يفتح أحد منهم ما وجه له إلا بكيرا فإنه فض موقان، ثم تراجع أهلها على الجزية، فقبل منهم وكتب لهم بها وبأمانهم عليها.
ولما بلغ عمر، رحمه الله، موت سراقة واستخلافه عبد الرحمن أقره عمر وأمره بغزو الترك، فخرج بالناس حتى قطع الباب، فقال له شهربراز: ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد بلنجر، فقال شهربراز: إنا لنرضى منهم أن يدعونا من وراء الباب، فقال عبد الرحمن:
لكنا لا نرضى منهم بذلك حتى نأتيهم فى ديارهم، وبالله إن معنا لأقواما لو يأذن لنا أميرنا فى الإمعان لبلغت بهم الردم، قال: وما هم؟ قال: أقوام صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا فى هذا الأمر بنية، وكانوا أصحاب حياء وتكرم فى الجاهلية، فازداد حياؤهم وتكرمهم ولا يزال هذا الأمر دائما لهم، والنصر معهم حتى يغيرهم من يغلبهم، وحتى ينقلوا عن حالهم.
فغزا عبد الرحمن بلنجر غزاة فى زمان عمر، رضى الله عنه، لم تئم فيها امرأة ولم ييتم صبى، وبلغت خيله فى غزاته البيضاء على رأس مائتى فرسخ من بلنجر، ثم غزا فسلم، ثم غزا غزوات فى زمان عثمان، رضى الله عنه، ثم أصيب عبد الرحمن حين تبدل أهل الكوفة فى إمارة عثمان لاستعماله من كان ارتد استصلاحا لهم، فلم يصلحهم ذلك وزادهم فسادا، أن سادهم من طلب الدنيا، وعضلوا بعثمان، رضى الله عنه ورحمه، حتى جعل يتمثل:
وكنت وعمرا كالمسمن كلبه ... فخدشه أنيابه وأظافره
وقال سلمان بن ربيعة «١» : لما دخل عبد الرحمن بن ربيعة عليهم، يعنى على الترك، حال الله بينهم وبين الخروج عليه، وقالوا: ما اجترأ علينا هذا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت، فتحصنوا منه، فرجع بالغنم والظفر، وذلك فى إمارة عمر، ثم لما