أهل فارس والفيرزان فنكثوا، وثار أهل الجبال والفيزران فنكثوا، وصار ذلك داعية إلى إذن عمر، رضى الله عنه، فى الانسياح، فانساح أهل البصرة وأهل الكوفة حتى أثخنوا فى الأرض، فخرج الأحنف إلى خراسان، فأخذ على مهرجان نقذف، ثم خرج على أصبهان، وأهل الكوفة محاصرو جى، فدخل خراسان من الطبسين، فافتتح هراة عنوة، واستخلف عليها صحار بن فلان العبدى، ثم سار نحو مرو الشاهجان، وأرسل إلى نيسابور، وليس دونها قتال، مطرف بن عبد الله بن الشخير، وإلى سرخس الحارث بن حسان.
فلما دنا الأحنف من مرو الشاهجان خرج منها يزدجرد نحو مرو الروذ حتى نزولها، ونزل الأحنف مرو الشاهجان، وكتب يزدجرد إلى خاقان وملك الصغد وصاحب الصين يستمدهم ويستعين بهم، وخرج الأحنف من مرو الشاهجان، واستخلف عليها حارثة ابن النعمان الباهلى بعد ما لحقت به أمداد الكوفة، على أربعة أمراء: علقمة بن النضر النضرى، وربعى بن عامر التميمى، وعبد الله بن أبى عقيل الثقفى، وابن أم غزال الهمدانى، وبلغ يزدجرد خروج الأحنف سائرا نحوه فخرج إلى بلخ، ونزل الأحنف مرو الروذ، وقدم أهل الكوفة فساروا إلى بلخ، واتبعهم الأحنف، والتقى أهل الكوفة ويزدجرد ببلخ، فهزمه الله بهم، وتوجه فى أهل فارس إلى النهر فعبروا، ولحق الأحنف بأهل الكوفة وقد فتح الله عليهم، وتتابع أهل خراسان ممن شذ وتحصن على الصلح فيما بين نيسابور إلى طخارستان، وعاد الأحنف إلى مرو الروذ فنزلها، واستخلف على طخارستان ربعى بن عامر، وهو الذى يقول له النجاشى ونسبه إلى أمه، وكان من أشراف العرب:
ألا رب من تدعو فتى ليس بالفتى ... ألا إن ربعى بن كأس هو الفتى
طويل قعود القوم فى قعر بيته ... إذا شبعوا من ثقل جفنته سقى
وكتب الأحنف بفتح خراسان إلى عمر، رحمه الله، فقال: لوددت أنى لم أكن بعثت إليها جندا، ولوددت أنه كان بيننا وبينها بحر من نار، فقال على، رضى الله عنه: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأن أهلها سينقضون ثلاث مرات، فيجتاحون فى الثالثة، فكان أن يكون ذلك بأهلها أحب إلىّ من أن يكون بالمسلمين.
وكتب عمر إلى الأحنف: أما بعد، فلا تجوزن النهر واقتصر على ما دونه، وقد عرفتم بأى شىء دخلتم خراسان، فدوموا على الذى دخلتم به يدم لكم النصر، وإياكم وإياكم أن تغيروا فتنقضوا.