فأقبل عبد الرحمن على الرسول وقال: ما حال الردم وما شبهه؟ فقال: هذا الثوب الذى على هذا الرجل، وأشار إلى مطر بن ثلج، وكان عليه قباء برود يمنية أرضة حمراء ووشيه أسود أو وشيه أحمر وأرضه سوداء، فقال مطر: صدق والله الرجل، لقد نفذ ورأى، قال عبد الرحمن: أجل، ووصف صفة الحديد والصفر وقرأ: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ إلى آخر الآية [الكهف: ٩٦] ، وقال عبد الرحمن لشهربراز: كم كانت هديتك؟
قال: قيمة مائة ألف فى بلادى هذه، وثلاثة آلاف ألف وأكثر فى تلك البلدان.
ذكر مسير يزدجرد إلى خراسان ودخول الأحنف إليها غازيا «١»
ذكروا أن يزدجرد لما انهزم أهل جلولاء خرج يريد الرى، وقد جعل له محمل يطيق ظهر بعيره، وكان إذا سار نام ولم يعرس بالقوم، فانتهى به إلى مخاضة وهو نائم فى محمله، فأنبهوه ليعلم، ولئلا يفزع إن هو استيقظ إذا خاض البعير به، فعنفهم على إنباهه وقال: بئس ما صنعتم، والله لو تركتمونى لعلمت ما مدة هذه الأمة، إنى رأيت أنى ومحمدا، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم، تناجينا عند الله تعالى فقال له: أملككم مائة سنة، فقال: زدنى، فقال: عشرا ومائة، فقال: زدنى، فقال: عشرين ومائة سنة، فقال: زدنى، فقال: لك.
وأنبهتمونى، ولو تركتمونى لعلمت.
فلما انتهى إلى الرى، وثب عليه آبان جاذويه، وكان على الرى، حينئذ، فأخذه، فقال له يزدجرد: يا آبان جاذويه، تغدر بى! فقال: لا ولكن قد تركت ملكك وصار فى يدى غيرك، فأحببت أن أكتتب على ما كان لى من شىء، وما أردته من غير ذلك، وأخذ خاتم يزدجرد ووصل الأدم، واكتتب الصكاك وسجل السجلات بكل ما أعجبه، ثم ختم عليها ورد الخاتم، ثم أتى بعد سعدا فرد عليه كل شىء فى كتابه.
ولما صنع آبان جاذويه بيزدجرد ما صنع خرج يزدجرد من الرى إلى أصبهان وكره جوار آبان ولم يأمنه، ثم عزم على كرمان، فأتاها ومعه النار، فأراد أن يضعها فى كرمان، ثم عزم على خراسان، فأتى مرو فنزلها وقد نقل النار، فبنى لها بيتا واتخذ بستانا، وبنى أزجا فرسخين من مرو إلى البستان، فاطمأن فى نفسه وأمن أن يؤتى، وكاتب من مرو من بقى من الأعاجم حيث لم يفتتحه المسلمون، فدانوا له، حتى إذا ثار
(١) انظر الخبر فى: الطبرى (٤/ ١٦٦- ١٧٣) ، تاريخ ابن خلدون (٢/ ١٢٠- ١٢٢) .