ولما سمع خاقان وهو والترك ببلخ ما لقى يزدجرد، وأن الأحنف خرج مع المسلمين من مرو الروذ نحوه، ترك بلخ وعبر النهر، وأقبل الأحنف حتى نزل بلخ، ونزل أهل الكوفة فى كورها الأربع، ثم رجع إلى مرو الروذ فنزل بها، وكتب بالفتح الذى صنع الله فى خاقان ويزدجرد إلى عمر، رحمه الله، وبعث إليه بالأخماس، ووفد الوفود.
ولما عبر خاقان النهر، وعبرت معه حاشية آل كسرى، أو من أخذ نحو بلخ منهم مع يزدجرد، لقوا رسول يزدجرد الذى كان بعثه إلى ملك الصين، وأهدى إليه معه، ومعه جواب كتاب يزدجرد من ملك الصين، فسألوه عما وراءه، فقال: لما قدمت عليه بالكتاب والهدايا كافأنا بما ترون، وأراهم هديته، وأجاب يزدجرد بهذا الكتاب بعد أن كان قال لى: قد عرفت أن حقا على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم، فصف لى صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم، فإنى أراك تذكر منهم قلة وكثرة منكم، ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذى تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلا لخير عندهم وشر فيكم، فقلت: اسألنى عما أحببت، فقال: أيوفون بالعهد؟ قلت: نعم، قال: وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم؟ قلت: يدعوننا إلى واحدة من ثلاث: إما دينهم فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمنعة، أو المنابذة.
قال: فكيف طاعتهم أمراءهم؟ قلت: أطوع قوم لمرشدهم، قال: فما يحلون وما يحرمون؟ فأخبرته، فقال: أيحرمون ما حلل لهم، أو يحلون ما حرم عليهم؟ قلت: لا، قال:
فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبدا حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم، ثم قال: أخبرنى عن لباسهم، فأخبرته، وعن مطاياهم، فقلت: الخيل العراب، ووصفتها، فقال: نعمت الحصون هذه، ووصفت له الإبل، بركها وانبعاثها بحملها، فقال: هذه صفة دواب طوال الأعناق.
وكتب معه إلى يزدجرد: إنه لم يمنعنى أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق علىّ، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لى رسولك لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو خلى سربهم أزالونى ما داموا على ما وصف، فسالمهم وأرض منهم بالسلامة، ولا تهيجهم ما لم يهيجوك.
فأقام يزدجرد وآل كسرى بفرغانة على عهد من خاقان، ولما وقع الرسول بالفتح والوفد بالخبر ومعهم الغنائم لعمر بن الخطاب، رضى الله عنه، من قبل الأحنف، جمع الناس وخطبهم، وأمر بكتاب الفتح فقرئ عليهم، وقال فى خطبته: إن الله تبارك وتعالى