ذكر رسوله وما بعثه به من الهدى، ووعد على اتباعه من عاجل الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة، فقال عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: ٣٣] ، فالحمد لله الذى أنجز وعده، ونصر جنده، ألا وإن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم، لينظر كيف تعملون، ألا وإن المصرين اليوم من مسالحها كأنتم والمصرين فيما مضى من البعد وقد وغلوا فى البلاد، والله بالغ أمره، ومنجز وعده، ومتبع آخر ذلك وأوله، فقوموا فى أمره على رجل يوف لكم بعهده ويؤتكم وعده، ولا تغيروا فيستبدل الله بكم قوما غيركم، فإنى لا أخاف على هذه الأمة أن يؤتوا إلا من قبلكم.
وسيأتى بعد إن شاء الله ما كان من انتقاض خراسان وغيرها فى خلافة عثمان، رضى الله عنه.
ونذكر الآن بقية فتوح أهل البصرة الذين عقد لهم عمر، رضى الله عنه، عند الإذن لهم فى الانسياح على ما تقدم.
فتح توج
قالوا «١» : وخرج أهل البصرة الذين وجهوا أمراء على فارس، ومعهم سارية بن زنيم ومن بعث معهم إلى ما وراء ذلك، وأهل فارس مجتمعون بتوج، فلم يصمدوا بجمعهم، ولكن قصد كل أمير منهم قصد إمارته وكورته التى أمر بها، وبلغ ذلك أهل فارس، فتفرقوا إلى بلدانهم ليمنعوها كما تفرق المسلمون فى القصد إليها، فكانت تلك هزيمة أهل فارس، تشتت أمورهم وتفرقت جموعهم، فتطيروا من ذلك كأنما ينظرون إلى ما صاروا إليه، فقصد مجاشع بن مسعود فيمن معه من المسلمين لسابور وأردشير خره، فالتقوا بتوج مع أهل فارس، فاقتتلوا ما شاء الله عز وجل، ثم إن الله عز وجل سلط المسلمين على أهل توج فهزموهم وقتلوهم كل قتلة، وبلغوا منهم ما شاؤا، وغنمهم ما فى عسكرهم فحووه.
وهذه توج الآخرة، لم يكن لها بعدها شوكة، والأولى التى تنقذ فيها جنود العلاء بن الحضرمى أيام طاووس، والوقعتان متساجلتان.
ثم دعوا بعد هزيمتهم هذه الآخرة إلى الجزية والذمة، فتراجعوا وأقروا وخمس مجاشع