قالوا «١» : ولما فصلت الجنود إلى الكور اجتمع ببيروذ جمع عظيم من الأكراد وغيرهم، وكان عمر، رحمه الله، قد عهد إلى أبى موسى حين سارت الجنود إلى الكور أن يسير حتى ينتهى إلى حد ذمة البصرة، كى لا يؤتى المسلمون من خلفهم، وخشى أن يستلحم بعض جنوده أو ينقطع منهم طرف أو يخلف فى أعقابهم، فكان الذى حذر من اجتماع أهل بيروذ وقد أبطأ أبو موسى حتى تجمعوا، فخرج أبو موسى حتى ينزل ببيروذ على الجمع الذى تجمع بها، وذلك فى رمضان، فنزل على جمع لهم منعة، فالتقوا بين نهرى تيرى ومناذر، وقد توافى إليها أهل النجدات من أهل فارس والأكراد ليكيدوا المسلمين، أو ليصيبوا منهم عورة، ولم يشكوا فى واحدة من اثنتين.
فقام المهاجر بن زياد وقد تحنط واستقل فقال لأبى موسى: أقسم على كل صائم إلا رجع فأفطر، فرجع أخوه فيمن رجع لإبرار القسم، وذلك الذى أراد المهاجر أن يرجع أخوه لئلا يمنعه من الاستقتال، وتقدم فقاتل حتى قتل، رحمه الله، وفرق الله عز وجل المشركين حتى تحصنوا فى قلة وذلة، وأقبل الربيع بن زياد، أخو المهاجر، فاشتد حزنه عليه، ورق له أبو موسى للذى رآه دخله من مصاب أخيه، فخلفه عليهم، وخرج أبو موسى حتى بلغ أصبهان، فلقى بها جنود أهل الكوفة محاصرين جىّ، ثم انصرف إلى البصرة وقد فتح الله على الربيع بن زياد أهل بيروذ من نهرتيرى، فهزمهم وجمع السبى والأموال، فتنقى أبو موسى ستين غلاما من أبناء الدهاقين وعزلهم، وبعث بالفتح إلى عمر، رحمه الله، ووفد وفدا، فجاءه رجل من عنزة يقال له: ضبة بن محصن، فقال:
اكتبنى فى الوفد، فقال: قد كتبنا من هو أحق منك، فانطلق مغاضبا مراغما، وكتب أبو موسى إلى عمر بقصة الرجل.
فلما قدم الكتاب بالفتح والوفد على عمر قدم العنزى فأتى عمر فسلم عليه، فقال:
من أنت؟ فأخبره، فقال: لا مرحبا ولا أهلا، فقال: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل، فاختلف إليه ثلاثا، يقول هذا ويرد عليه هذا، حتى إذا كان اليوم الرابع فدخل عليه، فقال له: ما نقمت على أميرك؟ فقال: تنقى ستين غلاما من أبناء الدهاقين لنفسه، وله جارية تدعى عقيلة، تغذى جفنة وتعشى جفنة، وليس منا رجل يقدر على ذلك، وله قفيزان، وله خانان، وفوض إلى زياد، وكان زياد هو ابن أبى سفيان، يلى أمور البصرة، وأجاز الحطيئة بألف.