للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكتب عمر، رحمه الله، كل ما قال، وبعث إلى أبى موسى، فلما قدم حجبه أياما، ثم دعا به، ودعا ضبة بن محصن، ودفع إليه الكتاب، فقال: اقرأ ما كتبت، فقرأ: أخذ ستين غلاما لنفسه، فقال أبو موسى: دللت عليهم، وكان لهم فداء ففديتهم، فأخذته فقسمته بين المسلمين، فقال ضبة: والله ما كذب ولا كذبت، وقرأ: له قفيزان، فقال أبو موسى:

قفيز لأهلى أقوتهم به، وقفيز فى أيديهم للمسلمين، يأخذون به أرزاقهم، فقال ضبة:

والله ما كذب ولا كذبت، فلما ذكر عقيلة سكت أبو موسى ولم يعتذر، وعلم أن ضبة قد صدقه.

قال: وزياد يلى أمور الناس ولا يعرف هذا ما يلى، قال أبو موسى: وجدت له نبلا ورأيا، فأسندت إليه عملى. قال: وأجاز الحطيئة بألف. قال: سددت فمه بمالى أن يشتمنى، فقال: قد فعلت ما فعلت، فرده عمر، رحمه الله، وقال: إذا قدمت فأرسل إلىّ زيادا وعقيلة، ففعل، فقدمت عقيلة قبل زياد، وقدم زياد فأقام بالباب، فخرج عمر وزياد بالباب قائم وعليه ثياب بيض كتان، فقال: ما هذه الثياب؟ فأخبره، فقال: كم أثمانها؟

فأخبره بشىء يسير، وصدقه، فقال له: كم عطاؤك؟ قال: ألفان، قال: ما صنعت بأول عطاء خرج لك؟ فقال: اشتريت به والدتى فأعتقتها، واشتريت فى الثانى ربيبى عبيدا فأعتقته، فقال: وفقت، وسأله عن الفرائض والسنن والقرآن، فوجده فقيها، فرده، وأمر أمراء البصرة أن يستعينوا برأيه، وحبس عقيلة بالمدينة.

وقال عمر، رضى الله عنه: ألا إن ضبة بن محصن غضب على أبى موسى فى الحق أن أصابه، وفارقه مراغما أن فاته أمر من أمور الدنيا، فصدق عليه وكذب، فأفسد كذبه صدقه، فإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى النار.

وكان الحطيئة قد لقيه فى غزاة بيروذ، وكان أبو موسى ابتدأها فحاصرهم حتى فلهم ثم جازاهم ووكل بهم الربيع، ثم رجع إليهم بعد الفتح فولى القسم.

ومن مدح الحطيئة فى أبى موسى:

وغارة كشعاع الشمس مشعلة ... تهوى بكل صبيح الوجه بسام

قب البطون من التعداء قد علمت ... أن كل عام عليها عام الجام

مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعرى طرفه سامى

لا يزجر الطير إن مرت به سنحا ... ولا ياض له قسم بأزلام

جمعت من عامر فيها ومن أسد ... ومن تميم وذبيان ومن حام