وروى عن عمر، رحمه الله، أنه لما انصرف من حجته هذه التى لم يحج بعدها وانتهى إلى ضجنان، وقف فقال: الحمد لله ولا إله إلا الله، يعطى من يشاء ما يشاء، لقد كنت بهذا الوادى أرعى إبلا للخطاب، وكان فظا غليظا يتعبنى إذا عملت، ويضربنى إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت وليس بينى وبين الله أحد أخشاه، ثم تمثل:
لا شىء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويودى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجرى الرياح له ... والإنس والجن فيما بينها برد
أين الملوك التى كانت نوافلها ... من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذب ... لا بد من ورده يوما كما وردوا
ثم إن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بعد أن قدم المدينة من حجه خرج يوما يطوف بالسوق، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان نصرانيا، فقال: يا أمير المؤمنين، أعدنى على المغيرة، فإن علىّ خراجا كثيرا، قال: وكم خراجك؟ قال: درهمان فى كل يوم، قال: وإيش صناعتك؟ قال: نجار، نقاش، حداد، قال: فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الأعمال، قال: وبلغنى أنك تقول: لو أردت أن أعمل رحا تطحن بالريح لفعلت، قال: نعم، قال: فاعمل لى رحا، قال: لئن سلمت لأعملن لك رحا يتحدث بها من بالمشرق والمغرب، ثم انصرف عنه، فقال عمر: لقد توعدنى العلج آنفا، ثم انصرف عمر إلى منزله.
فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار، فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد، فإنك ميت فى ثلاثة أيام، قال: وما يدريك؟ قال: أجده فى كتاب الله، التوراة، فقال عمر: آلله إنك لتجد عمر بن الخطاب فى التوراة؟ قال: اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك، بأنه قد فنى أجلك، وعمر لا يحس وجعا ولا ألما، فلما كان من الغد جاءه كعب فقال: يا أمير المؤمنين، ذهب يوم وبقى يومان، ثم جاء من بعد الغد فقال: ذهب يومان وبقى يوم وليلة، وهى لك إلى صبحها، فلما كان الصبح خرج عمر إلى الصلاة، وكان يوكل بالصفوف رجالا، فإذا استوت أخبروه فكبر، ودخل أبو لؤلؤة فى الناس فى يده خنجر له رأسان نصابه فى وسطه، فضرب به عمر ست ضربات، إحداهن تحت سرته، هى التى قتلته، فلما وجد عمر حر السلاح سقط، وقال: دونكم الكلب فإنه قتلنى، وماج الناس وأسرعوا إليه، فجرح منهم ثلاثة عشر رجلا، حتى جاء رجل منهم فاحتضنه من خلفه،