رؤياك، فقصصتها، فلما قلت: إنه لا يخاف فى الله لومة لائم، قال: إنى لأرجو أن يجعلنى الله منهم، فلما قلت: خليفة مستخلف، قال: قد استخلفنى، فأسأله أن يعيننى على ما ولانى، فلما ذكرت: شهيد مستشهد، قال: أنّى لى الشهادة وأنا بين أظهركم تغزون ولا أغزو؟ ثم قال: بلى، يأتى الله بها أنّى شاء، يأتى الله بها أنّى شاء.
وكان عمر، رحمه الله، ملازما للحج فى سنى خلافته كلها، وكان من سيرته أن يأخذ عماله بموافاته كل سنة فى موسم الحج ليحجزهم بذلك عن الرعية، ويحجر عليهم الظلم، ويتعرف أحوالهم فى قرب، وليكون للرعية وقت معلوم ينهون إليه شكاويهم فيه. فلما كانت السنة التى قتل منسلخها، رضى الله عنه، خرج إلى الحج على عادته، وأذن لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم فخرجن معه، فلما وقف عمر، رحمه الله، يرمى الجمرة أتاه حجر فوقع على صلعته فأدماه، وثم رجل من بنى لهب، قبيلة من الأزد، تعرف فيها العيافة والزجر، وإياها عنى القائل:
تيممت لهبا أبتغى العلم عندهم ... وقد رد علم العالمين إلى لهب
فقال اللهبى عند ما أدمى عمر، رحمه الله: أشعر أمير المؤمنين لا يحج بعدها.
ويروى عن عائشة، رضى الله عنها، وحجت مع عمر تلك الحجة: أنه لما ارتحل من الحصبة أقبل رجل متلثم، قالت: فقال وأنا أسمع: أين كان منزل أمير المؤمنين؟ فقال قائل: هذا كان منزله، فأناخ فى منزل عمر، ثم رفع عقيرته يتغنى:
عليك السلام من أمير وباركت ... يد الله فى ذلك الأديم الممزق
فمن يسع أو يركب جناحى نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق فى أكمامها لم تفتق
قالت عائشة: فقلت لبعض أهلى: اعلموا لى من هذا الرجل، فذهبوا، فلم يجدوا فى مناخه أحدا، قالت عائشة: فو الله إنى لأحسبه من الجن، فلما قتل عمر نحل الناس هذه الأبيات للشماخ بن ضرار أو لأخيه مزرد.
وقال سعيد بن المسيب: لما صدر عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة بطحاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مد يديه إلى السماء، فقال: اللهم كبرت سنى، وضعفت قوتى، وانتشرت رعيتى، فاقبضنى إليك غير مضيع ولا مفرط، ثم قدم المدينة، فخطب الناس فقال: أيها الناس، قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا، وضرب بإحدى يديه على الأخرى.