للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانقض نجم عظيم من السماء، وصرخ الكاهن رافعا صوته: أصابه أصابه، خامره عقابه، عاجله عذابه، أحرقه شهابه، زايله جوابه، يا ويحه ما حاله، بلبله بلباله، عاوده خباله، تقطعت حباله، وغيرت أحواله.

ثم أمسك طويلا وقال: يا معشر بنى قحطان، أخبركم بالحق والبيان، أقسمت بالكعبة والأركان، والبلد المؤتمن السدان، لقد منع السمع عتاة الجان، بثاقب، بكف ذى سلطان من أجل مبعوث عظيم الشأن يبعث بالتنزيل والقرآن وبالهدى وفاصل الفرقان، تبطل به عبادة الأوثان. قال: فقلنا: يا خطر، إنك لتذكر أمرا عظيما، فماذا ترى لقومك؟. فقال:

أرى لقومى ما أرى لنفسى ... أن يتبعوا خير بنى الإنس

برهانه مثل شعاع الشمس ... يبعث فى مكة دار الحمس

بمحكم التنزيل غير اللبس

فقلنا له: يا خطر، وممن هو؟ فقال: والحياة والعيش، إنه لمن قريش، ما فى حلمه طيش ولا فى خلقه هيش يكون فى جيش وأى جيش! من آل قحطان وآل أيش. فقلنا:

بين لنا من أى قريش هو؟. فقال: والبيت ذى الدعائم، إنه لمن نجل هاشم، من معشر أكارم، يبعث بالملاحم، وقتل كل ظالم. ثم قال: هذا هو البيان، أخبرنى به رئيس الجان. ثم قال: الله أكبر، جاء الحق وظهر، وانقطع عن الجن الخبر. ثم سكت وأغمى عليه، فما أفاق إلا بعد ثالثة، فقال: لا إله إلا الله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، لقد نطق عن مثل نبوة، وإنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده» .

قال ابن إسحاق «١» : وحدثنى بعض أهل العلم أن امرأة من بنى سهم يقال لها الغيطلة، كانت كاهنة فى الجاهلية، جاءها صاحبها ليلة من الليالى فانقض تحتها «٢» ، ثم قال: بدر ما بدر، يوم عقر ونحر. فقالت قريش حين بلغها ذلك: ما يريد؟ ثم جاءها ليلة أخرى فانقض تحتها، ثم قال: شعوب ما شعوب، تصرع فيه كعب لجنوب. فلما بلغ


(١) انظر: السيرة (١/ ١٨٠) .
(٢) انقض تحتها: أى تكلم بصوت خفى.