للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك قريشا، قالوا: ماذا يريد؟ إن هذا لأمر هو كائن فانظروا ما هو. فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب، فعرفوا أنه كان الذى جاء به إلى صاحبته.

قال «١» : وحدثنى على بن نافع الجرشى أن جنبا «٢» بطنا من اليمن، كان لهم كاهن فى الجاهلية، فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر فى العرب قالت له جنب: انظر لنا فى أمر هذا الرجل. واجتمعوا له فى أسفل جبله.

فنزل عليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس له، فرفع رأسه إلى السماء طويلا، ثم جعل ينزو ثم قال: أيها الناس، إن الله أكرم محمدا واصطفاه، وطهر قلبه وحشاه، ومكثه فيكم أيها الناس قليل. ثم أسند فى جبله راجعا من حيث جاء.

وحدثنى من لا أتهم «٣» ، أن عمر بن الخطاب بينا هو جالس فى الناس فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل رجل من العرب يريد عمر، فلما نظر إليه عمر قال: إن الرجل لعلى شركه ما فارقه، أو لقد كان كاهنا فى الجاهلية، فسلم عليه الرجل، ثم جلس، فقال له عمر: هل أسلمت؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فهل كنت كاهنا فى الجاهلية؟ فقال الرجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين! لقد خلت فى واستقبلتنى بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت، فقال عمر: اللهم غفرا، قد كنا فى الجاهلية على شر من هذا، نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان، حتى أكرمنا الله برسوله وبالإسلام، قال:

نعم، والله يا أمير المؤمنين، لقد كنت كاهنا فى الجاهلية. قال: فأخبرنى، ما جاء به صاحبك، قال: جاءنى قبيل الإسلام بشهر أو شيعه، فقال: ألم تر إلى الجن وإبلاسها «٤» وإياسها من دينها، ولحوقها بالقلاص «٥» وأحلاسها «٦» !.


(١) انظر: السيرة (١/ ١٨٠) .
(٢) جنبا: جنب من مزحش وهم عبد الله، وأنس الله، وزيد الله، وأوس الله، وجعفى والحكم وجروة بنو سعد العشيرة بن مزحش، ومزحش هو مالك بن أدد وسموا جنبا لأنهم جانبوا بنى عمهم صداء ويزيد ابنى سعد العشيرة بن مزحش.
(٣) انظر: السيرة (١/ ١٨١) .
(٤) إبلاسها: أبلس الرجل إذا سكت ذليلا أو مغلوبا.
(٥) القلاص: القلاص من الإبل: الفتية.
(٦) أحلاسها: جمع حلاس، وهو كساء جلد يوضع على ظهر البعير ثم يوضع عليه الرجل ليقيه من الدبر.