للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن هشام: هذا الكلام سجع وليس بشعر، وأنشدنى بعض أهل العلم بالشعر:

عجبت للجن وإبلاسها ... وشدها العيس بأحلاسها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى ... ما مؤمن الجن كأنجاسها

فقال عمر رضى الله عنه، عند ذلك، يحدث الناس: والله إنى لعند وثن من أوثان الجاهلية فى نفر من قريش، قد ذبح لهم رجل من العرب عجلا، فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت قط أنفذ منه، وذلك قبيل الإسلام بشهر أو شيعه يقول: يا ذريح أمر نجيح، رجل يصيح يقول: لا إله إلا الله «١» .

قال ابن هشام: ويقال: رجل يصيح بلسان فصيح يقول: لا إله إلا الله. وهذا الرجل الذى ظن به عمر رضى الله عنه، ما ظن، هو سواد بن قارب الدوسى «٢» ، وكان يتكهن فى الجاهلية.

وقد ذكر خبره غير ابن إسحاق، فساقه سياقة أحسن من هذه وأتم، وذكر فيه أنه كان نائما على جبل من جبال السراة ليلة من الليالى، فأتاه آت، فضربه برجله وقال: قم يا سواد بن قارب، أتاك رسول من لؤى بن غالب. قال: فرفعت رأسى وجلست فأدبر وهو يقول:

عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس بأقتابها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى ... ما صادق الجن ككذابها

فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس قداماها كأذنابها «٣»

وأتاه فى الليلة الثانية، فضربه برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب، أتاك رسول من لؤى بن غالب. قال: فرفعت رأسى وجلست، فأدبر وهو يقول:

عجبت للجن وأخبارها ... ورحلها العيس بأكوارها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى ... ما مؤمنوها مثل كفارها


(١) انظر الحديث فى: صحيح البخارى فى كتاب مناقب الأنصار، باب إسلام عمر، رضى الله عنه (٧/ حديث رقم ٣٨٦٦) .
(٢) هو: سواد بن قارب الدوسى. كذا قال الكلبى، وقال ابن أبى خيثمة: سواد بن قارب سدوسى من بنى سدوس. انظر ترجمته فى: الاستيعاب الترجمة رقم (١١١٤) ، الإصابة الترجمة رقم (٣٥٩٦) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٢٣٣٤) ، تجريد أسماء الصحابة (١/ ٢٤٨) ، الوافى بالوفيات (١٦/ ٣٥) ، التاريخ الكبير (٤/ ٢٠٢) ، الأعلام (٣/ ١٤٤) .
(٣) انظر الأبيات فى: الاستيعاب (٢/ ٢٢٤) .