للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: فنهى النبى صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قتل العنكبوت، وقال: «إنها جند من جنود الله» «١» .

وخرج أبو بكر البزار فى مسنده من حديث أبى مصعب المكى، قال: أدركت زيد ابن أرقم، والمغيرة بن شعبة، وأنس بن مالك، يحدثون: أن النبى صلى الله عليه وسلم لما كان ليلة بات فى الغار، أمر الله تبارك وتعالى شجرة فنبتت فى وجه الغار فسترت وجه النبى صلى الله عليه وسلم، وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجه الغار، وأمر الله عز وجل، حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأتى المشركون من كل بطن حتى إذا كانوا من النبى صلى الله عليه وسلم على قدر أربعين ذراعا، معهم قسيهم وعصيهم، تقدم رجل منهم فنظر فرأى الحمامتين، فرجع فقال لأصحابه: ليس فى الغار شىء، رأيت حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد.

فسمع قول النبى صلى الله عليه وسلم فعرف أن الله قد درأ بهما عنه، فشمت عليهما وفرض جزاءهما، واتخذت فى حرم الله ففرخن. أحسبه قال: فأصل كل حمام فى الحرم من فراخهما.

وذكر قاسم بن ثابت فيما تولى شرحه من الحديث أن الله أنبت الراءة على باب الغار لما دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضى الله عنه، قال: وهى شجرة معروفة. قال غيره: تكون مثل قامة الإنسان، ولها زهر أبيض تحشى به المخاد للينه وخفته.

وحكى الواقدى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الغار، دعا بشجرة كانت أمام الغار، فأقبلت حتى وقفت على باب الغار، فحجبت أعين الكفار وهم يطوفون فى الجبل.

وقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما!» «٢» .

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه فى الغار ثلاثا، حتى إذا مضت الثلاثة وسكن عنهما الناس، أتاهما صاحبهما الذى استأجرا ببعيريهما، وأتتهما أسماء بنت أبى بكر بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما «٣» ، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس


(١) ذكره السيوطى فى الدر المنثور (٣/ ٢٤٠) .
(٢) انظر الحديث فى: سنن الترمذى (٣٠٩٦) ، مسند الإمام أحمد (١/ ٤) ، طبقات ابن سعد (٣/ ١/ ١٢٣) ، الدر المنثور للسيوطى (٣/ ٢٤٢) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٢٦١٤، ٣٢٥٦٨) ، شرح السنة للبغوى (١٣/ ٣٦٦) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (٧/ ٦٨، ١١١) ، مشكاة المصابيح للتبريزى (٥٨٦٨) .
(٣) العصام: الحبل أو شبهه يشد على فم المزادة ونحوها ليحفظ باقيها أو تعلق منها فى وتد.