للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا على» «١» . وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله، إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت فى ذمتنا، نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم من بلادهم إلى عدو، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال:

«أجل» «٢» ، قال: فقد آمنا بك وصدقناك؛ وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذاى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بناعدونا غدا، إنا لصبر فى الحرب صدق عند اللقاء لعل يريك منا ما تقربه عينك، فسر بنا على بركة الله.

فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك، ثم قال: «سيروا وأبشروا فإن الله تبارك وتعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكأنى الآن انظر إلى مصارع القوم» «٣» .

ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من «ذفران» «٤» حتى نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من أصحابه، قيل: هو أبو بكر الصديق، حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش، وعن محمد وأصحابه، وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا اخبر كما حتى تخبرانى ممن أنتما؟

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أخبرتنا أخبرناك» . قال: أو ذاك بذاك، قال: «نعم» ، قال الشيخ: فإنى بلغنى أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذى أخبرنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغنى أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذى أخبرنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذى به قريش. فلما فرغ من خبره، قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماء» «٥» . ثم انصرف عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.


(١) انظر الحديث فى: مجمع الزوائد للهيثمى (٩/ ٣٥٦) ، دلائل النبوة للبيهقى (٢/ ٣٧٧، ٣٨١) .
(٢) انظر الحديث فى: سنن أبى داود (٥٢٣٣) ، مسند الإمام أحمد (١/ ٢٥٥، ٢٨٤، ٣/ ٤٣٨، ٥/ ٢٨٦، ٣٧٢، ٣٨١) ، الدر المنثور للسيوطى (٥/ ٢٠٥) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣١٣٧٩) .
(٣) انظر الحديث فى: تفسير ابن كثير (٣/ ٧٢) ، فتح البارى لابن حجر (٧/ ٣٣٦) .
(٤) ذفران: واد قرب واد الصفراء والذفر كل ريح من طيب أو نتن. انظر: معجم البلدان (٣/ ٦) .
(٥) انظر الحديث فى: البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٢٦٤) .