ويتربصون من نصرهم ما كانوا يمنونهم به حتى يئسوا مما عندهم، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان عرض عليهم قبل ذلك.
فقاضاهم- صلوات الله عليه وسلامه- على أن يجليهم ويكف عن دمائهم وعلى أن لهم ما استقلت به الإبل من أموالهم إلا الحلقة فقط.
فطاروا بذلك كل مطير وتحملوا بما أقلت إبلهم، حتى إن الرجل ليهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وكان أشرافهم بنو أبى الحقيق وحيى بن أخطب فيمن سار إلى خيبر، فلما نزلوها دان لهم أهلها.
وخلى بنو النضير الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت له خاصة بحكم الله له بها ليضعها حيث شاء، فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منها.
وكانت اليهود قد عيروا المسلمين حين يهدمون الدور ويقطعون النخل فنادوا: أن محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟
وما ذنب شجرة وأنتم تزعمون أنكم مصلحون فى الأرض؟!
فأنزل الله- سبحانه- فى قصتهم وما ذكروه من قولهم وبيان وجه الحكم فى أموالهم سورة الحشر بأسرها. فقال عز من قائل:
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ، للذى كان منهم من الهدم من أدبار بيوتهم وهدم المسلمين لما يليهم منها.
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا أى بالسيف وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ أى مع ما لقوه فى الدنيا من النقمة.
ثم قال- تعالى- فيما عابوه من قطع النخيل وعدوه من ذلك فسادا: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ أى فبأمر الله قطعت، لم يكن ذلك فسادا بل نقمة أنزلها بهم وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ.