للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن يقبل التوبة عن عباده» «١» . قالت: فو الله إن هو إلا أن قال لى ذلك فقلص دمعى حتى ما أحس منه شيئا. وانتظرت أبوى أن يجيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما.

قالت: وأيم الله لأنا كنت أحقر فى نفسى وأصغر شأنا من أن ينزل الله فى قرآنا يقرأ به فى المسجد ويصلى به، ولكنى كنت أرجوا أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منامه شيئا يكذب الله به عنى لما يعلم من براءتى أو يخبر خبرا، فأما قرآن ينزل فى فو الله لنفسى كانت أحقر عندى من ذلك.

قالت: فلما لم أرى أبوى يتكلمان قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالا: والله ما ندرى بماذا نجيبه. قالت: وو الله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبى بكر فى تلك الأيام. قالت: فلما استعجما على استعبرت فبكيت ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا، والله إنى لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس والله يعلم أنى منه بريئة لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقوننى، ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت: ولكنى سأقول كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ [يوسف: ١٨] .

قالت: فو الله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجى بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت فو الله ما فرغت ولا باليت، قد عرفت أنى بريئة وأن الله غير ظالمى، وأما أبواى فو الذى نفس عائشة بيده ما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقا من أن يأتى من الله تحقيق ما قال الناس. ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس وإنه ليتحدر منه مثل الجمان وفى يوم شات، فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: «أبشرى يا عائشة فقد أنزل الله براءتك» «٢» قلت: بحمد الله.

ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن فى ذلك ثم أمر بمسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش وحسان بن ثابت، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم.

قالت: فلما نزل القرآن ذكر من قال من الفاحشة ما قال من أهل الإفك فقال: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ


(١) انظر الحديث فى: فتح البارى لابن حجر (٨/ ٤٧٥) ، البدآية والنهاية لابن كثير (٤/ ١٦٣) .
(٢) انظر الحديث فى: سنن أبى داود (٤/ ٤٧٣٥) ، سنن الترمذى (٥/ ٣١٨٠) .